والزنادقة) ; ذلك أنّ من المتّفق عليه بين العلماء . . . أنّ من علائم وضع الحديث أن يكون مخالفاً للكتاب والسنّة القطعيّة ، فإذا جاءنا حديث بحكم يخالف أو لا يوافق ما في كتاب الله من أحكام ، ولا مجال للتأويل ، حكمنا بوضعه باتّفاق ، وهل قال الحديث الذي نحن بصدده أكثر من هذا ؟ » ۱ .
أقول : إنّ تصحيح مضمون روايات العرض على الكتاب حتّى على فرض ضعف أسانيدها ، لا دليل عليه سوى عرضها على محكم الكتاب والسنّة ، كما أمرالله عزّوجلّ بذلك بقوله : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ۲ بل حتّى لو افترضنا عدم الأمر الإلهي بذلك ، فإنّنا لا نجد كتاباً نلجأ إليه للخروج من حالات الحيرة والتردّد سوى القرآن الكريم ، كيف وقد وصفه الله سبحانه بقوله : إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ۳ وقوله : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء۴ ، وصرّح بأنّه : لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ۵ .
المرحلة الثالثة : بعد أن أثبتنا صحّة روايات العرض على الكتاب ، لتواترها ، ولوجود شاهد عليها من القرآن الكريم ، وأنّها تؤسّس قاعدةً لنقد متون الأحاديث التي ينقلها الرواة عن المعصومين (عليهم السلام) تؤدّي إلى العلم بصدورها عنهم واقعاً أو عدم صدورها ، نعطف الكلام على مفاد هذه الروايات ، وتحديد مراد الشارع بها ، ببيان معنى المخالفة والموافقة المذكورتين فيها .
أمّا الموافقة ، فليس المراد بها خصوص المطابقة التامّة لمدلول آيات الكتاب ، وإنّما المراد بها عدم المنافاة التامّة وعدم المعارضة المستقرّة لما هو ثابت في الكتاب
1.سورة النساء ۴ : ۵۹ .
2.السنّة ، ومكانتها في التشريع الإسلامي ، د . مصطفى السباعي ، ص۱۸۵ .
3.سورة الطارق ۸۶ : ۱۳ .
4.سورة النحل ۱۶ : ۸۹ .
5.سورة فصّلت ۴۱ : ۴۲ .