وبعبارة أُخرى : لمّا كان كتاب الله قطعي الصدور عنه سبحانه ، كان ما
ينافيه ويعارضه من أخبار الآحاد التي ينقلها الرواة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) مردوداً; للعلم بعدم صدوره واقعاً عنه (صلى الله عليه وآله) ; لأنّ مصدر السنّة الواقعية ومصدر
القرآن واحد ، وهو الوحي الإلهي ، ومن غير المعقول أن يقع التنافي في كلام الله
عزّوجلّ .
وعليه ، فإذا لم يكن الحديث المروي منافياً ومعارضاً للكتاب ولا للسنّة المعلومة الصدور ، فإنّه لا يعدّ مخالفاً ، بل يكون موافقاً لهما ، فيكون حجّة يجب العمل بمقتضاها ، وهذا كما يشمل السنّة المؤكّدة لآيات الكتاب والمفسّرة لها ، يشمل أيضاً الأحاديث المخصّصة والمقيّدة للكتاب ، ذلك أنّ العرف اللغوي والمتشرّعي لا يرى منافاة ولا معارضة بين الدليل الخاصّ والدليل العامّ ، ولا بين المطلق والمقيّد ، وإنّما يرى الثاني مبيّناً للأوّل ، فيحمل العامّ على الخاصّ والمطلق على المقيّد ، وعلى هذا تحتفظ السنّة بمكانتها من الكتاب بوصفها مفسّرة لمجملاته ومخصّصة لعموماته ، كما تحتفظ بوظيفتها في التشريع المستقلّ إلى جانب القرآن الكريم .
وممّا يؤكّد أنّ المراد بـ(المخالف) في لسان (روايات العرض) هو خصوص المنافي والمعارض ، ما تقدّم من كلام الإمام الرضا (عليه السلام) وقد تنازع عنده قوم من أصحابه «في الحديثين المختلفين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشيء الواحد ، فقال(عليه السلام) : إنّ الله عزّوجلّ حرّم حراماً ، وأحلّ حلالا ، وفرض فرائض ، فما جاء في تحليل ما حرّم الله ، أو تحريم ما أحلّ الله ، أو رفع فريضة في كتاب الله رسمها بيّن قائم بلا ناسخ نسخ ذلك ، فذلك ما لا يسع الأخذ به ; لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليحرّم ما أحلّ الله ، ولا ليحلّل ما حرّم الله ، ولا ليغيّر فرائض الله وأحكامه » ۱ .
وقد استعملت كلمة (المخالف) لدى الفقهاء في المنافي والمعارض خاصّة ، دون
1.عيون أخبار الرضا ، الصدوق ۱ / ۲۲ ـ ۲۳ .