ولكنّها محاولة غير موفّقة ; إذ يرد عليها أنّ ما حكاه الله تعالى من قول زكريا(عليه السلام) : وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً۱ ، يراد به وراثة « المال ، لا العلم ولا النبوّة . . . لأنّ لفظ الميراث في اللغة والشريعة لا يطلق إلاّ على ما ينتقل من الموروث إلى الوارث كالأموال ، ولا يستعمل في غير المال إلاّ على طريق المجاز والتوسّع ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة .
وأيضاً فإنّ زكريا (عليه السلام) قال في دعائه : وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ، أي : اجعل ياربّ ذلك الوليّ الذي يرثني مرضيّاً عندك ، ممتثلا لأمرك ، ومتى حملنا الإرث على النبوّة لم يكن لذلك معنىً ، وكان لغواً وعبثاً ، ألا ترى أنّه لا يحسن أن يقول أحد : (اللهمّ ابعث لنا نبيّاً ، واجعله عاقلا مرضيّاً في أخلاقه) ; لأنّه إذا كان نبيّاً فقد دخل الرضا وما هو أعظم من الرضا في النبوّة .
ويقوّي ما قلناه : أنّ زكريا (عليه السلام) صرّح بأنّه يخاف من بني عمّه بعده بقوله : وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائِي ، وإنّما يطلب وارثاً لأجل خوفه ، ولا يليق خوفه منهم إلاّ بالمال دون النبوّة والعلم ; لأنّه (عليه السلام) كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبيّاً من هو ليس بأهل للنبوّة وأن يورث علمه وحكمته من ليس لهما بأهل » ۲ .
ويستفاد من هذا المثال فائدتان :
أُولاهما : إنّ إبطال الزهراء (عليها السلام) لرواية عدم توريث الأنبياء بعرضها على الكتاب ، يعتبر سنّة عملية ، تضاف إلى الأدلّة القولية التي سبق الاستدلال بها على
1.سورة مريم ۱۹ : ۵ ـ ۶ .
2.النصّ والاجتهاد ، عبدالحسين شرف الدين ، ص۱۰۴ ، وفي تفسير الميزان للسيّد الطباطبائي (قدس سره)دراسة معمّقة لهذه المسألة تقضي على كلّ التشكيكات التي أثارها الآلوسي في تفسيره حول دلالة الآية الكريمة على إرادة توريث المال خاصّة ، فينبغي مراجعتها .