لحسم الموقف من العرض على محكم الكتاب والسنّة .
هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّه لا ينبغي لغير الشيعة ، أن يحرموا أنفسهم من الثروة الحديثية التي تضمّنتها مصنّفات علماء الشيعة الأبرار ، بدعوى ضعف أسانيد رواياتهم ، واتّهام رواتهم الأجلاّء بأنّهم لا يتورّعون عن الكذب ، ولا نريد هنا ردّ هذه التهمة الظالمة ، وإقامة الأدلّة على بطلانها ، ونكتفي بالقول : إنّ
مجرّد ضعف الراوي لا يساوق العلم بعدم صدور ما يرويه ; فيبقى مظنون الصدور ،
فلابدّ من التحاكم إلى قاعدة العرض ; لقطع الشكّ باليقين ، ولا ينبغي التسرّع
برفض رواية لمجرّد الظنّ بعدم صدورها ، ولعلّها صادرة فعلا من ساحة الشارع
المقدّس .
الأمر السادس : إنّ قاعدة العرض بتوكيدها أنّ مخالفة الحديث للكتاب والسنّة علامة فارقة تؤدّي إلى العلم بعدم صدور الرواية عن المعصومين (عليهم السلام) ، تظهرنا على قضيّة في غاية الأهمية ، وهي : أنّ الحديث لا يمكن أن يكون ناسخاً للكتاب ; لوضوح أنّ النسبة بين الناسخ والمنسوخ هي التنافي وكون الناسخ رافعاً لحكم المنسوخ ، ومع تحقّق المنافاة بين الآية والرواية ، لابدّ أن نحكم بعدم حجّية الرواية ; للعلم بعدم صدورها حينئذ ، فكيف تكون ناسخة لما نقطع بصدوره من آيات الكتاب ؟
وهذا في خبر الواحد واضح جدّاً ، وأمّا إذا كان الخبر متواتراً ، فقد يدّعى إمكان نسخه للكتاب ; لأنّ المتواتر معلوم الصدور ، فلا يرد محذور نسخ معلوم الصدور بظنّي الصدور .
ولكنّ هذه الدعوى مردودة بأدنى التفات ; إذ مع تأكيد المعصومين (عليهم السلام) أنّ منافاة الرواية للكتاب والسنّة المعلومة دليل على أنّ مضمونها غير صادر عنهم ، كيف يعقل أن يسمع منهم مباشرة ،أو يتواترعنهم ما ينافي الكتاب ليكون ناسخاًله؟ وقد تقدّم قول الإمام الرضا (عليه السلام) : « إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليحرّم ما أحلّ الله ،