إثبات صدور الحديث أسبابه و مناهجه - الصفحه 29

سادسا: بعض جهلة المتدينين:

من الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد والتصوّف ، فقد كانوا يضعون الأحاديث في الترغيب والترهيب احتسابا للأجر عند اللّه ، بزعمهم ، ورغبةً في حضّ الناس على عمل الخير ، وقد اغترّ بهم غيرهم من ذوي الصلاح ، لحسنِ ظنّهم بهم ، فحملوا ما سمعوه منهم محمل الصدق ، ونقلوه عنهم .
قال ابن الصلاح الشهرزوري: «وأشدّ هذه الأصناف أهل الزهد؛ لأنّهم للثقة بهم وتوسّم الخير فيهم يقبل موضوعاتهم كثيرٌ ممّن هو على نمطهم في الجهل ورقّة الدين» ۱ .
ونقل يحيى بن سعيد القطّان عن أبيه ، قال: لم نَرَ الصالحين في شيءٍ أكذب منهم في الحديث ۲ .
وقيل عن غلام خليل: كان يتزهّد ويُهجّن شهوات الدنيا و يتقوّت الباقلاء تصوّفا ، وغلّقت أسواق بغداد يوم موته ، يُسأل عن الأحاديث التي يحدّث بها فيقول: وضعناها لنرقّق بها قلوب العامّة ۳ .
قال حجّة الإسلام الغزالي: «وهذا من نزغات الشيطان؛ ففي الصدق مندوحةٌ عن الكذب ، وفي ما ذكر اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله غنيةٌ عن الاختراع في الوعظ» .
وقال شيخ الإسلام النووي: خالفوا في ذلك إجماع المسلمين الذين يعتدّ بهم على تحريم تعمّد الكذب على رسول اللّه ، وعلى أنّه من الكبائر؛ لخبر «مَن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار» ولا يلتفت إلى ما تعلّقوا به من الشبه الباطلة في تأويل هذا الحديث . . . [من] أنّه إذا كان الكذب في الترغيب والترهيب فهو كذبٌ

1.تنزيه الشريعة المرفوعة ۱/ ۱۵ وتلاحظ مقدمة ابن الصلاح .

2.صحيح مسلم بشرح النووي ۱/۵۴ ، الموضوعات ، ابن الجوزي ۱/۴۱ .

3.الموضوعات ، ابن الجوزي ۱/۴۰ .

الصفحه من 45