قوم مجمعة إلاّ كانت لهم الغلبة . قال الآخر : فهم شرّ غالب لمن غلب ، إنَّ أحدهم ليفتق بأدنى كلمة ، ويفسد في بعض ساعته ما لا يستطيع الآسي ۱ الحليم له رتقاً ، ولا الخوليُّ ۲ النفيس إصلاحاً له في حول مجرّم له ۳ ذلك ; لأنَّ السفيه هادم ، والحليم بان ، وشتَّان بين البناء والهدم .
قال : فانتهز حارثة الفرصة فأرسل في خفية وسرٍّ إلى النفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاستحضرهم استظهاراً بمشهدهم ، فحضروا ، فلم يستطع الرجلان فضَّ ذلك المجلس ولا إرجاءَه ، وذلك لما بيّنّا من تطلّع عامّتها من نصارى نجران إلى معرفة ما تضمّنت الجامعة من صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانبعاثهم له مع حضور رسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لذلك ، وتأليب حارثة عليهما فيه ، وصغو أبي حارثة شيخهم إليه . قال : قال لي ذلك الرجل النجراني : فكان الرأي عندهما أن ينقادا لما يدهمهما من هذا الخطب ، ولا يظهران شماساً منه ولا نفوراً ، حذار أن يطرقا الظنّة فيه إليهما ، وأن يكونا أيضاً أوَّل معتبر للجامعة ومستحثّ لها ، لئلاّ يُفْتَأَتَ ۴ في شيء من ذلك المقام والمنزلة عليهما ، ثمّ يستبينان الصواب في الحال ويستنجدانه ليأخذا بموجبه ، فتقدَّما لما تقدَّم في أنفسهما من ذلك إلى الجامعة ـ وهي بين يدي أبي حارثة ـ وحاذاهما حارثة بن أثال ، وتطاولت إليهما فيه الأعناق ، وحفَّت رسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهم . فأمر أبو حارثة بالجامعة ; ففتح طرفيها ، واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى
1.الآسي ـ كقاضي ـ الطبيب . أخذاه من بيان العلامة المجلسي .
2.الخوليّ : الراعي الحسن القيام على المال . والخائل : الحافظ للشيء ، يقال : هو خوليُّ مال . أي حسن القيام به . وحكى في لسان العرب ۱۱/۲۲۵ عن ابن الأثير أنّ الخولي عند أهل الشام : القيّم بأمر الإبل وإصلاحها ، مأخوذ من التخوّل بمعنى التعهّد وحسن الرعاية . ويأتي بمعنى الراعي ; كما في تاج العروس ۷/۳۱۲ .
3.قال في القاموس المحيط ۴/۸۹ : حول مجرّم ـ كمعظَّم ـ : تام .
4.يفتات : من الفتّ ، وهو التكسّر والتفرّق والانهدام . وفي القاموس المحيط ۱/۱۵۴ : لا يفتات عليه : لا يعمل دون أمره .