الثالث: مقاطعة سلطات الجور
إنّ السلطات المعاصرة لاهل البيت عليهم السلام قد أمعنت كثيراً في إقصائهم عن قيادة الاُمّة وعن ممارسة دورهم الرسالي الذي جعله اللَّه تعالى حقّاً لهم إلى أن تقوم الساعة، ومارست ضدّهم شتّى أساليب الظلم والجور والقتل، ومن هنا اتخذ أهل البيت عليهم السلام بعد الامام الحسين عليه السلام موقفاً واضحاً من السلطات الحاكمة المعاصرةلهم، يتلخص في الدعوة إلى مقاطعتها وتحريم التعاون معها؛ ذلك لأنّها تعتبر كياناً بعيداً عن المنهج الاسلامي الأصيل في ممارسة الإدارة والحكم وعن مبادئ الاسلام السامية وعقيدته السمحة.
وهذا الموقف جاء في مقابل فتاوى فقهاء البلاط الذين يحاولون إضفاء الشرعية الزائفة على ممارسات حكام الجور، وهي بمثابة دعوةٍ صريحةٍ للاُمّة في مواجهة الظلم ومقاومة نفوذه بما يتّفق وظروف تلك المرحلة وبما ينسجم مع مسؤوليتهم الرسالية في تقديم النصح للاُمّة وتسديدها عند التباس معالم الهدى والصلاح، وعلى الاُمّة أن تختار لنفسها المصير الذي تشاء؛ فإمّا أن تمارس المقاطعة للسلطان الجائر فتنتصر لرسالتها وحقّها في الحياة الحرّة الكريمة، وإمّا أن ترضخ وتستسلم فتعيش بعيداً عن رسالتها تحت ظلّ القمع والظلم.
عن سليمان الجعفري قال: قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: ما تقول في أعمال السلطان ؟ فقال: يا سليمان، الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار ۱ .
وعن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفرعليه السلام عن أعمالهم فقال لي: يا أبا محمد، لاولا مدّة قلم، إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينه مثله ۲ .
1.تفسير العياشي ۱: ۲۳۸/۱۱۰
2.الكافي ۵: ۱۰۶/۵، التهذيب ۶: ۳۳۱/۹۱۸