ففضّل السابقين على غيرهم، وفضّل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضّل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، وفضّل العرب على العجم، وفضّل الصريح على المولى ۱ .
وبقي نظام العطاء على هذا المنوال في زمان عثمان الذي فضّل بني أمية على غيرهم، وكان ولاته يأخذون لأنفسهم ما يشاؤون بلا حساب ودون رقيب، فصار النظام الطبقي نظاماً بشعاً أدّى الى عواقب وخيمة، منها نشوء طبقة مترفة تستأثر برؤوس الأموال على حساب الأكثرية الساحقة، فوصلت ثروات بعض كبارالمسلمين بالملايين في الوقت الذي يعيش الاكثرية الحرمان والكفاف. وكان ذلك أحد الأسباب الأساسية التي جعل الناس يثورون على عثمان.
ومن هنا أعلن علي عليه السلام قراره القاضي بالمساواة التامة بين الناس في العطاء، من أجل إشاعة العدل في توزيع الثروة وإلغاء كافة أسباب التمايز بين الناس، فكان قرار انتزاع قطائع بني اُمية وقرار التسوية من أول القرارات التي اتخذها علي عليه السلام في اليوم التالي من البيعة وطبّقه عملياً في اليوم الثالث.
قال عليه السلام في خطبته في اليوم التالي للبيعة: ألا لا يقولنّ رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار، وفجّروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك، ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا !
ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته، فإن الفضل النير غداً عند اللَّه، وثوابه وأجره على اللَّه، وأيما رجل استجاب للَّه وللرسول، فصدّق ملّتنا، ودخل في ديننا،
1.راجع: شرح ابن أبي الحديد ۸: ۱۱۱