شرح الحديثين :« الريا شرك ، و تركه كفر » «حبّنا أهل البيت يكفّر الذنوب» - الصفحه 369

و مثله في هذا المعنى من الأخبار كثير .
و قد أشار إلى هذا قوله ـ جلّ و علا ـ : «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـلـهَا » 1 ، و قوله ـ عزّ من قائل ـ : «وَ قُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا » 2 ، فتاركُ تزكية نفسه بين إخوانه لا يبالي بترك العمل فيكفر .
و الدليل على ذلك أنّا نرى بالوجدان و نشاهد بالعيان من الأراذل والسفل ـ الّذين لا يبالون بما قيل فيهم ، ولا يستقبحون من كشف عيوبهم للناس ـ أنّهم يتركون الفرائض و يتهجّمون على فعل المحرّمات ، مستخفّين بالواجبات متهاونين بالمعاصي ، بل نرى من بعضهم تهجين مَن يرونه دائبا في الطاعات و السخرية بمن يجتهد في الأعمال الصالحات ، غير متحرّجين ولا متأثّمين ، و مَن كان هذه حاله فهو كافر .
و على هذا الوجه فإطلاق الرياء على هذا المعنى مجاز أيضا ؛ لأنّ طالبه يحصل ما يحصل المرائي بعمله ، و ليس هذا بمُراءٍ بل عاملٌ بما وجب عليه .
الرابع : أنّ المكلّف إنّما يعمل لتصوّره أنّه يستحقّ من ربّه المدح على فعل الواجبات و ترك المحرّمات ؛ لعلمه بأنّ المولى يرضيه من عبده الطاعة ، فهو يعمل لطلب رضاه و استحقاقه القرب منه و عظيم الأجر عنده ، فهو بعمله يرى ربّه أنّه له مطيع و لمرضاته طالب ، و قد قال اللّه عز و جل : «وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ » 3 ، و من المعلوم أنّ من لم يطلب رضى ربّه و لم يلتفت إلى استحقاق المدح من مولاه لا يعمل له عملاً و لا يطيع له أمرا ، فهو لا محالة كافر فاجر و في القيامة معذّب خاسر . و إطلاق الرياء على تارك طلب رضى البارئ ـ تعالى و تقدّس ـ على ما أوضحناه ، من باب المشاكلة ، مثل قوله تعالى : «تَعْلَمُ مَا

1.الشمس ، الآية ۹ .

2.البقرة ، الآية ۸۳ .

3.التوبة ، الآية ۹۴ .

الصفحه من 385