شرح الحديثين :« الريا شرك ، و تركه كفر » «حبّنا أهل البيت يكفّر الذنوب» - الصفحه 370

فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ » و البارئ لا نفس له ، لكن أراد مشاكلة لفظ بما تقدّمه ، فكذا هنا .
و هذا الوجه عندي أحسن الوجوه المذكورة ، و من تأمّل من ذوي الفطن تبيّن له ذلك .
و أمّا قوله : « من ترك الرياء بقي بلا عمل » فيحمل على هذه المعاني و يؤخذ معناه منها .
و بيانه : أنّ من ترك العمل حذرا من أن ينسبه الناس إلى الرياء على المعنى الأوّل ، أو ترك ما يؤول عمله إلى مدح الناس و تعظيمهم لعامله مع فعله إخلاصا للّه على المعنى الثاني ، أو ترك تزكية نفسه و هتك ستره عند إخوانه بترك العمل على المعنى الثالث ، أو لم يطلب رضى ربّه و لم يعمل لاستحقاق المدح منه و نيل ثوابه على المعنى الرابع ، بقي بلا عمل ؛ لأنّه على واحد من هذه الوجوه لا يعمل شيئا من الأعمال .
و قد كان جماعة من المشايخ في البحرين خاضوا في معنى هذا و نحن حضور و خضنا معهم فيه ، فأدّوا فيه ما حاصله : إنّ مبدأ دخول الإنسان في العمل ما يَتصوّره من حصول المنزلة الرفيعة عند الناس لعامل ذلك العمل ، ألا ترى أنّ الرجل يقول لابنه إذا أمره بطلب العلم : يا بنيّ ، اُطلب العلم ؛ فإنّ للعالِم شرفا ومنزلةً عظيمةً عند الناس ، ألا تنظر إلى العلماء كيف يعظّمهم الناس و يوقّرونهم ويطيعون أمرهم ؟! . . . يُرغّبه بذلك ، و كذا من يأمر ابنه أو صديقه بالطاعات يقول له : ألا ترى أهل الصلاح و الدين موقَّرين مبجَّلين عند الناس من العلماء و العظماء والأكابر ؟! فاعمل و أصلح نفسك تَنَلْ هذه الفضيلة و تدركْ هذه المنزلة الجليلة.
و كلٌّ منهما لم يُرد من الشخص الّذي أشار عليه العملَ للناس ، بل ذكر له لازم ذلك العمل ، و ربّما أراد المشير في الحالين العمل بما ذكره من الغرض الدنيوي أيضا ، فيدخل المشار عليه في العمل من طلب العلم و غيره لما تصوّره في نفسه

الصفحه من 385