وقول الآخر : 
يا لَيْتَني مِثْلُكِ فِي الْبَياضِأَبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَنِي أَبَاضِ۱
 أي أبيض من جملة اُخت بنيأباض ومن عشيرتها . 
 فإن قلت : فقضية هذا الكلام أن يكون في قوة قوله : النية من جملة عمله ، والنية من أفعال القلوب ، فكيف تكون عملاً؟ لأنه مختص ۲ بالعلاج . 
 قلت : جاز أن تسمى عملاً كما جاز أن تسمى فعلاً ، أو يكون إطلاق العمل عليها مجازا . ۳
 أقول : إن الشهيد رحمه الله لم يجعل هذا جوابا مغايرا . لما تقدمه من أن لفظة «خير» ليست تفضيلية ، وإنما استشهد لذلك الوجه بتلك الأشعار ، ولم يجعل أيضا الآية الكريمة ـ أعني «ومن كان في هذه أعمى . . . » إلى آخره ـ استشهادا ، إذ لا شكّ أنها من العيوب ، وأصل الصفة في العيوب والألوان على وزن «أفعل» كأعرج وأعور وأحمر وأصفر ، ولم يشتق من العيوب والألوان اسم التفضيل لئلا يلتبس بالوصف ، والسيّد يقول : إن الاستشهاد بهذه الأبيات في كتاب الغرر عند تأويل هذه الآية ، حيث ذكر هناك أنه لا يجوز أن يراد بالعمى الثاني المبالغة بمعنى أفعل ؛ لأن العمى الذي هو الخلقة لا يتعجب منه بلفظة أفعل ، وإنما يقال : ما أشدّ عماه! 
 ثم قال بعد كلام طويل : 
 فإن قيل : ولِمَ أنكرتم التعجب بلفظ أفعل . 
 قلنا : قال النحويون : إن الألوان والعيوب لا يتعجب منها بلفظ التعجب ، وإنما يعدل منها إلى أشد وأظهر . 
 ثم أطال الكلام إلى أن قال : «وقد أنشد بعضهم معترضا على ما ذكرناه قول الشاعر . .» وذكر الأبيات بهذا التقريب ، وحمل بعضها على الشذوذ وبعضها على غير ذلك . 
 فالعجب كل العجب من شيخنا الشهيد كيف لم يتأمل كلامه! ولم يكفه أن جعل
                         
                        
                            1.قد مرّ ذكر البيت ، فراجع .
2.في القواعد الفوائد : «يختص» .
3.القواعد والفوائد ، ج۱ ، ص۱۰۸ ـ ۱۱۴ ، الفائدة ۲۲ .