غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) بين النصوص و النقود - الصفحه 29

مستحيلٌ على الله الحكيم ، فإنّ شأنه تعالى الهداية وإتمام الحجّة البالغة لئلاّ يكون للناس على الله حجّة ، ولايقول أحدٌ :رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَـتِكَ ] طه:20/134 [ .
قلنا: إنّ الله تعالى قد هداهم في كتابه إلى أركان الإسلام من التوحيد والنبوّة والمعاد ، والأحكام الضروريّة المهمّة من الواجبات والمحظورات ، وهداهم ـ في كتابه مع انضمام قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ إلى مسألة الإمامة والولاية ، وما ينبثق منهما من الأحكام الدينية ، ومواضع ذلك كلّه من الكتاب والسنّة قائمةٌ ، والنفوس قادرةٌ على تحصيل المعرفة من تلك المصادر ، فالحَيرة في هذه الأُمور منتفيةٌ ، وإنّما يهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة ، والتوفيق من الله .
نعم يكون بينهم جماعةٌ مستضعفون لايستطيعون حيلةً ولايهتدون سبيلا فأُولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً .
فتنحصر إذاً موارد الضلالة في أمرين آخرين :
أحدهما: في الجهل بجملة من الأحكام غير الضروريّة ، حيث خفيت حتّى على العلماء بعد الفحص عن الأدلّة .
والثاني: في بدع الظالمين وتعدّيهم عن حدود الله وأحكامه الثابتة ، وإجبار الناس على المضيّ في بدعهم وأحكامهم الفاسدة .
لكن هذين الأمرين لايوجبان على الله إظهار الإمام :
إذ الأوّل: لايقدح في شيء ، إذا كان المفروض أنّ في استتار الإمام مصلحةً أهمّ ، وأنّ الله تعالى لايؤاخذ عباده بمخالفة تلك الأحكام المجهولة ; لعدم بيانها لهم ، وإنّما تفوت عنهم مصالحها الذاتيّة ، أو يقعون في مفاسدها الذاتيّة ، وهو قليلٌ في جنب المصالح المذكورة للاستتار .
وأمّا الثاني: فهو من امتحان الله الذي جرت عليه سنّته في عباده ، كما فتن قوم موسى فغيّب عنهم نبيّهم ، فأضلّهم السامريّ بإخراج العجل ، وحملهم على

الصفحه من 37