وهذا مشروطٌ بمجيء وقت يأمنُ منهم على نفسه ، فلايصلوا إليه بسلطانهم ، ولايتمكّنوا من قتله بطغيانهم ، بأن يحدث فيهم الضعف والاختلاف ، أو يغلب عليهم رعاية العدل والإنصاف ، أو يجد الإمام لنفسه أنصاراً وقوّةً ، فما لم يحصل هذا الشرط لايصلحُ له الخروج والقتال ، كما هو الشأنُ في جميع الحروب ، بل لابدّ أن يبقى في الغيبة والانتظار إلى مجيء ذلك الوقت .
فإن قيل: إنّ الله تعالى قادرٌ على إعطائه القوّة والشوكة في كلّ زمان!
فجوابه: أنّ الله ليس أمره على بسط العدل ونشر الهداية بالقهر وإعمال القدرة الإلهيّة في كلّ زمان ، وإنّما أجرى على مقتضى ما سنّه في الظروف والأحوال ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يفتح مكّة إلاّ في السنة الثامنة من الهجرة ، وكان ذلك بقهر الله وتسليطه ، وقد كان الله تعالى قادراً عليه قبل ذلك ، ومع ذلك قد غاب النبيّ (صلى الله عليه وآله)عن قومه ثلاث سنين في شِعْب أبي طالب (عليه السلام)وهاجر عنهم إلى المدينة ، وغاب في الغار ، ثمّ مكث ثمانية أعوام حتّى يحين الوقت .
ومثله خروج موسى عن قومه خائفاً يترقّب ، ثمّ رجوعه بعد أعوام مع الآية الكبرى من الله وسلطانه المبين ، وارتفاع الخوف بقوله تعالى له: لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى .
ولو فتح الباب لمثل هذا السؤال ; لجرى في كثير من الأُمور ، وليس المخرج منه إلاّ بما قاله الله تعالى: للهِِ الاَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ .
نعم ، إنّ الله تعالى ربما يبيّن الحكمة في بعض هذه الأُمور ، كما قال في حكمة تأخير القتال عن أهل مكّة : وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْم لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً فإنّه يدلّ على أنّ ذلك كان لأجل اختلاط المؤمنين بالمشركين في مكّة ، وعدم التميّز بينهم عند المسلمين ، فلو هجموا