قلنا: لايمتنع أن يكون في ظهوره على هذا الوجه ـ أيضاً ـ خوفُ القتل ، كما قتل آباؤه(عليهم السلام) مع شدّة مداراتهم واتّقائهم .
أو يكون فيه مفسدةٌ أُخرى للقاصرين والمستضعفين من المؤمنين ، حيث إنّ بعضهم لايتحمّل إمامة من لايتمكّن من نشر العدل وبسط المعروف ودفع المنكرات وتبليغ الأحكام جهاراً .
وربما يجبر للخضوع للظالمين ; فيكون ذلك سبباً لضلالهم ، كما ورد في الحديث في روضة «الكافي» أنّ بعض أصحاب الصادق (عليه السلام) لمّا رآه في موكب أبي جعفر المنصور على حمار ، والمنصور على الفرس بين خيوله ، كبُرَ ذلك عليه ، وقال لنفسه: هذا حجّة الله على الخلق ، وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الأنبياء! فدخله من ذلك شكٌّ ، وخاف على دينه ، ونفسه ، حتّى أسكن الإمامُ (عليه السلام)قلبه .
وروى ـ أيضاً ـ أنّ عمّار بن ياسر لمّا رأى التقيّة من عليّ (عليه السلام) حاصَ حيصةً حتّى حفظه الله ، مع أنّ الله تعالى قال في شأنه: وقلبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالإِيْمان فكيف بغيره من القاصرين؟ .
وذلك; لأنّ الإيمان بالتقيّة والأخذ بها صعبٌ لايحتمله إلاّ من قوي إيمانه .
هذا ، مع أنّه إذا اتّقى في بدعة من الظالمين فسكت عنها ـ لعدم التمكّن من ردعهم ـ فلامحالة يميل أتباعه وشيعته إلى اتّباعهم في تلك البدعة ، فيعتقدون بكونها حقّاً لما ظهر من رضا الإمام (عليه السلام) بها ، لكن إذا كان مستتراً فلامحالة يرجعون فيها إلى حكم الكتاب والسنّة ، فإذا رأوها مخالفةً لهما فلامحالة يتركونها ، بخلاف ما إذا كان الإمام ظاهراً ; فإنّهم يأخذون بالظاهرمن رضا الإمام(عليه السلام) .
ولا ينتقض ذلك بسكوت آبائه الكرام عن بدعة الظالمين في أعصارهم ; فإنّ البدعة في هذه الأعصار أكثر بكثير ممّا كان في أعصارهم; فقد نرى أنّهم غيّروا كثيراً من الأحكام الضروريّة الإلهيّة والسنن النبويّة ، وأشاعوا كثيراً من الفحشاء والملاهي والمنكرات ، وأظهروا الظلم والفساد في الأرض ، فلم يبقوا من الإسلام