لمّا هاجر إلى المدينة ودعا أهلها إلى التوحيد قبلوا منه ، بل قَبِلَه أكثرهم قَبْلَ أن يُهاجر ، لأنهم لمّا سمعوا بالدعوة الحقّة من الرسول (صلى الله عليه وآله) أسرعوا إلى قبولها ورفض العداوة والبغضاء بينهم ، فأصبحوا بنعمة الله إخواناً متناصرين على نشر الإسلام ، سيّما وأنّهم كانوا يسمعون قبل ذلك من اليهود المجاورين خبر بعث النبي بمكّة وهجرته إليهم .
فكذلك القائم (عليه السلام) يخرج ـ كما في الأخبار ـ على حين فترة يشتدّ فيها الاختلاف بين الناس ، حتّى يتفلُ بعضهم في وجوه بعض ، ويلعنُ بعضهم بعضاً ، وتكثر فيها الفتن والحروب والقتل والبلاء والقحط والأمراض .
وطبعاً إنّ هذا ممّا يطوّع النفوس إلى الإصلاح والصلاح ، ويحفّزها على التوجّه إلى الله تعالى ، فيطلبون لأنفسهم مَن يؤلّف بينهم ، ويجمع شملهم ويحكم بينهم بالعدل ويدعوهم إلى الحقّ ، كما في الحديث عن «غيبة النعماني» بإسناده عن أبي بصير عن الباقر (عليه السلام): «لايقوم القائم إلاّ على خوف شديد من الناس وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك ، حتّى يتمنّى المتمنّي ۱ صباحاً ومساءً ـ من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً ـ قيامه» ۲ .
وفي حديث آخر في «البحار» : «تزجر الناس قبل قيام القائم (عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء وحمرة تجلّل السماء» ۳ .
أضف إلى ذلك ما قيل من أنّ توسّع المعارف الحديثة والعلوم الجديدة ورغبة الناس إلى مظاهر المدنيّة أكثر تأثيراً في سيرهم إلى الخضوع للحقّ وأهله وانزجارهم عن التوحّش والبربرية ، كما يشاهد أنّ الأُمم الوحشية قد تخطّوا في
1.أورده هكذا في البحار باب علامات الظهور ولكن أورده في باب سيره وأخلاقه : حتّى يتمنّى المتمنّي الموت .
2.غيبة النعماني (ص ۲۳۴ و ۲۵۳) .
3.الإشاد للمفيد (۲ / ۳۷۸) .