هذا الزمان إلى شيء من الرقىّ ورفض الأوهام الفاسدة والعقائد السخيفة ، فإذا ألقىإلى قلوبهم دعوةٌ وجيهةٌ من ناحية الإمام (عليه السلام) فلامحالة تطمئنّ إليها قلوبهم وتسكن إليها نفوسهم ، ويرونها ملائمةً لفطرة الله التي فطر الناس عليها ، بخلاف ما إذا دعاهم وقلوبهم في غمرة الأوهام ، فإنّ إلقاء الدعوة الحقّة إليهم حينئذ يكون كإلقاء البذور في الأراضي الخبيثة ، فلا تخرج إلاّ نكداً .
ولا ينافي ذلك ما ورد ۱ من أنّ شأن هذا الإمام هو الخروج بالسيف ، وقهر الناس على قبول دعوته بالقتل والقتال .
فإنّ ذلك إنّما هو في شأن المعاندين والطغاة من الذين لايرضون بالعدل ، ولايجنحون للسلم أبداً ، إذ لاشكّ أنّ الإمام إنّما يخرج للهداية والإصلاح ، فمهما تمكّن له شيءٌ من طرق الإصلاح فلامحالة يقدّمه على الاقتحام في القتل ، كما هو المعلوم من سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام)حيث كانا يدعوانِ في الحروب إلى الإسلام قبل الأخذ في القتال .
فإن قيل: إنّ غيبة الإمام توجب إبقاء الناس المؤمنين في حَيرة الضلالة ، وهو
1.أورد لذلك في البحار أخباراً كثيرة في باب سيره وأخلاقه ، منها : ما رواه عن النعماني بإسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : «لو يعلم الناس ما يصنع القائم ، إذا خرج ، لأحبّ أكثرهم أن لايروه ممّا يقتل الناس أما أنّه لا يبدأ إلاّ بقريش ، فلايأخذ منها إلاّ السيف ولا يعطيها إلاّ السيف حتّى يقول الناس : «ليس هذا من آل محمّد ، ولو كان من آل محمّد لرحم»(غيبة الطوسيص ۱۱۸) . وبإسناده عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : «يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد ، على العرب شديدٌ ، ليس شأنه إلاّ بالسيف لا يستتيب (*) أحداً ولاتأخذه في الله لومة لائم»(غيبة النعماني ص ۳ ـ ۲۳۴) . قوله : «بأمر جديد» يعني : جديد بالنسبة إلى حال الناس في ذلك الزمان ، كما ورد في آخر الباب المذكور : عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر (عليه السلام) : أنّه يسير بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى يظهر الإسلام ، فيبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي الناس ، ويستقبل بهم العدل كما أبطل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما كان في الجاهليّة» . (*) في بعض النسخ :«لايستنيب» بالتون بدل التاء الثانية ، يعنى : يتولّى الأمور بنفسه .