التقيّة في القرآن و السنّة بين السائل و المجيب - الصفحه 58

يكون أحد المعنيين حقّاً ، والآخر باطلا .
فالمؤمن المتّقي ـ أي الذي يستعمل التقيّة بإطلاق ذلك الكلام ـ يقصد المعنى الصحيح ، ولكنّ العدو يظنّ أنّه يريد المعنى الباطل الذي يكون مطابقاً لمراده .
وبهذا ينجو المؤمن من العدوّ الكافر الظالم ، من دون أن يتكلّم بكلام باطل .
وترى ـ في كلام المؤمن من آل فرعون المتقدّم ذكره ـ مثالا رائعاً للتورية ، كما بيّنه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)في ضمن حديث قال :
«ولقد كان لحزقيل المؤمن مع قوم فرعون ـ الذين وشوابه إلى فرعون ـ مثل هذه التورية: كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله ونبوّة موسى . . . وإلى البراءة من فرعون ، فوشى به واشون إلى فرعون ، وقالوا: إنّ حزقيل يدعو إلى مخالفتك ويعين أعداءك على مضادّتك ، فقال لهم فرعون: ابن عمّي وخليفتي في ملكي ووليّ عهدي!! إن كان قد فعل ما قلتم ; فقد استحقّ العذاب على كفره نعمتي ، وإن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشدّ العذاب ; لإيثاركم الدخول في مسائته ، فجاء بحزقيل وجاء بهم ، فكاشفوه وقالوا: أنت تجحد ربوبيّة فرعون الملك ، وتكفر نعماءه !
فقال حزقيل: أيّها الملك! هل جرّبت عليّ كذباً قطّ؟
قال: لا . قال: فسلهم من ربّهم . قالوا: فرعون .
قال: ومن خالقكم؟ قالوا: فرعون هذا .
قال: ومن رازقكم ، الكافل لمعايشكم والدافع عنكم مكارهكم؟
قالوا: فرعون هذا .
قال حزقيل: أيّها الملك! فأُشهدك وكلّ من حضرك: أنّ ربّهم ربّي ، وخالقهم هو خالقي ، ورازقهم هو رازقي ، ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي ، لا ربّ لي ولا خالق غير ربّهم وخالقهم ورازقهم ، وأُشهدك ومن حضرك: أنّ كلّ ربّ وخالق سوى ربّهم وخالقهم ورازقهم فأنا برئٌ منه ومن ربوبيّته وكافرٌ بإلاهيّته .

الصفحه من 63