فقال له : أشعرت أنَّ محمداً قد قُتِل ؟ فقال الأنصاري: إن كان محمَّدٌ قد قُتِل فقد بلَّغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فأنزل اللَّه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِل . . . يقول : ارتددتم بعد إيمانكم ۱ .
المقطع الثالث: قال تعالى : وَلَقَد صَدَقَكُم اللَّهُ وَعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُم بِإذْنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلْتُم وَتَنَازَعْتُم فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَنْ يُرِيدُ الدُّنيَا وَمِنكُم مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُم عَنْهُم لِيَبْتَلِيكُم وَلَقَد عَفَا عَنْكُم وَاللَّه ذُو فَضْل عَلَى المُؤمِنِينَ * إذْ تُصعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُم فِي أُخْرَاكُم فَأَثَابَكُم غَمَّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلاَ مَا أَصَابَكُم وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * آل عمران: 152 ـ 153 .
فقد بيَّنت الآيات ظهور المسلمين على المشركين ، وكاد النصر أن يكمل ولكنَّ رؤية المسلمين للغنائم أعجلهم بترك أماكنهم ، فتنازعوا الترك وعدمه ۲ ، وكانت كلمة الفصل بنزولهم عن الجبل الذي كان يكوِّن ظهراً للنبي يحميه عن الأعداء ، فما إن ارتفعت الحماية عن النبي (صلى الله عليه وآله) بعصيان المسلمين لأوامر النبيِّ حيث رأوا ما يُحبِّون من الغنائم ، حتى أجهز الكفار عليهم بأن تحوَّطوهم من أعلى الجبل بقيادة خالد بن الوليد ، ولكنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ قد عفا عن أولئك العصاة وتفضل عليهم بالمغفرة ۳ .
ثمَّ بيَّنت موجب العفو عنهم ، وهو الذنب الذي ارتكبوه في المعركة ولمَّا تنتهِ
1.الدر المنثور: ۲ / ۳۳۵ .
2.قالوا: والله لنأتين الناس فنصيبَنَّ من الغنائم ، فعصوا وانطلقوا ولم يبق منهم إلا عبد الله ومعه دون العشرة ، صحيح البخاري: ۴ / ۱۴۸۶ حديث ۳۸۱۷ .
3.ومما يؤسف له أنَّ هذا الكاتب لا يقتصر تقطيعه للنصوص والشواهد على كتب التاريخ والسيرة ، بل تعدى حتى بالنسبة للقرآن ، فنجده هنا يستقطع من الآية أولها وآخرها ، ويكتفي منها بقوله }ولقد عفا عنكم{ ، ولكن لا يغيب عن الأخ القارىء أنَّ العفو من الأمور ذات التعلق ، فلو سأله شخص: عن أي شيء عفا اللَّه عنهم ، فإنَّ العفو فرع تحقق المعفو عنه ، ولابدَّ أن يكون ذلك عن ذنب صدر منهم ؟ كل هذه الاستفسارات حاول الكاتب إخفاءها عن القارىء .