صحبة الرسول (صلي الله عليه و آله) بين المنقول و المعقول - الصفحه 72

ذؤيب الهذلي حيث رأى النبيّ بعد موته وقبل دفنه 1 فلم يعدّ من الصحابة ، وإمَّالعدم كونهم من أهل عصره أصلاً ، كالتابعين ومن تلاهم ، فكلّ من جاء بعد موت النبي(صلى الله عليه وآله) ممَّن آمن به ينطبق عليه هذا المعنى ، مع عدم صدق الصحبة .
ثمَّ إنَّ اشتراط الإيمان مهمٌّ باعتبار آخر وهو: أنَّ ذلك يُخرج من دخل في الدين خوفاً من السيف ، أو من دخل فيه رغبةً في المال أو الجاه ، وليس إيماناً بالدين ، ولعلّ في بعض الروايات المشيرة إلى أسباب الهجرة توضيحاً لهذا المعنى ، كقوله: «فمن كانت هجرته إلى دنياً يصيبها ، أو إلى امرأة يحبّها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه . .» 2 فهذه العبارة من الرسول (صلى الله عليه وآله) وإن كانت في مقام بيان الهجرة المطلوبة وهي الهجرة إلى الله فقط ، لكنَّها تبيّن لنا ـ من منظور آخرـ مطلوبيَّة الإيمان بالدين من أوّل عمره إلى آخره ، ولذا فيمكن التشكيك في صحبة مَن آمن بالنبيّ مدَّة حياته وانقلب بعد موته (صلى الله عليه وآله) وأظهر ما كان مُخفياً له من أمارات النفاق والجحود بالدين وبأوامره ونواهيه .
والأمر المهمّ الذي ندّعيه ـ كما سيأتي مع أدلته ـ هو أنَّ الصحبة تمثّلت في الصحابة بصورتين وفي فئتين منهم:
1 ـ صورة تحكي واقع أولئك الصحابة وهي أنَّهم أطاعوا النبي في كلّ شيء وسلَّموا له في أوامره ونواهيه ، فهؤلاء هم الذين وردت فيهم الآيات المادحة والروايات المعرِّفة لهم بصفات مخصوصة 3 والمبيّنة لمقاماتهم عندالله عزَّوجلَّ .
2 ـ صورة تحكي واقعاً مزيَّفاً ، وملبّساً بقناع يخفي وراءه الكثير من الحوادثالتي صدرت منهم بعد وفاته (صلى الله عليه وآله)والتي أخبر بها النبيّ (صلى الله عليه وآله) وحذَّر من الوقوع فيها ، بل حذَّر القرآن منها في بعض آياته ، قال تعالى : أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُم عَلَى

1.الدرجات الرفيعة: ص ۶ .

2.صحيح البخاري: ۱ / ۳ ، ۳۰ ، ۲ / ۸۹۴ ، ۳ / ۱۴۱۶ ، ۶ / ۲۴۶۱ وغيره من المصادر الحديثيَّة .

3.ففي تعبير القرآن دقَّة بالغةٌ حينما عبَّر بـ }والذين معه{ ولم يقل صحبوه أو من صحبه . . . فتأمل!

الصفحه من 152