صحبة الرسول (صلي الله عليه و آله) بين المنقول و المعقول - الصفحه 81

الرسول جاء لتزكية المدعوِّين ولتعليمهم وتربيتهم ، وقد فعل ما كُلِّف به وأدَّى ماحُمِّل، ولكنوردت روايات تاريخيَّة موثقة أوأحاديث مصححة ممَّن لا يمكن الطعن عليه فيها ، وهي تثبت أنَّه قد صدر من بعض أولئك الصحابة ما يخالف تلك التربية التي أداها النبي(صلى الله عليه وآله) بل ما يخالف الدين كلاًّ ، والعقل السليم ، فيلزمنا أحد أمرين:
إمَّا أن نقول ـ والعياذ باللَّه ـ إنَّ الرسول قد علَّمهم وربَّاهم على ذلك الأمر المشين . وهذا هو الكفر بعينه ، كما هو بعيد عن ساحة قدسه (صلى الله عليه وآله) .
وإمَّا أن نقول بأنَّ ما صدر منهم إنَّما هو من فعلهم الخاصّ بهم ، والذي لم ينصَّ عليه النبي(صلى الله عليه وآله) بل لايرتضيه ، وهو مخالف لما أراده(صلى الله عليه وآله) ۱  .
ولا شكَّ أن لازم القول الأوّل رمي النبي(صلى الله عليه وآله) بالنقص ، ونسبة عدم حسن تبليغ الرسالة إليه ! وهذا ينافي الآيات والروايات المثبتة لعصمته (صلى الله عليه وآله) وأنَّه لم يقصّر في التبليغ .
بينما لامانع من الالتزام بالقول الثاني ، إذ ليس فيه نسبة طعن لساحته(صلى الله عليه وآله)وليس فيه إلاّ إثبات ما يمكن أن يصدر من أيّ فرد غير معصوم قابل لصدور الخطأ منه ۲  .
إن قلتَ: يمكن لنا أن نختار شقّاً ثالثاً وهو تكذيب تلك الروايات .
قلتُ: مضافاً إلى كثرة تلك الروايات بحيث لا يمكن تكذيبها كلّها ، فإنَّ الموجب

1.ولذا فقد ذكروا في بعض قضايا خالد بن الوليد قتله عامر بن الأضبط بعد إظهاره الإسلام والسلام ، وغضب النبي لذلك وقال اللهم إني أبرأُ إليك مما فعل خالد ـ قالها ثلاثاً ـ وسيأتي ذكر مصادرها .

2.والمشكلة الكبرى التي يعيشها الكاتب وأمثاله هو أنَّهم قد ولدوا ودرجوا على هذه الهالة القدسيَّة لمن صَاحَبَ النبي أو عاش معه في زمانه أو روى عنه ، وكأنَّ تلك الأمور توجب العصمة لهم ، وابتنت عقولهم على ذلك لأجيال متتالية ومترامية الأطراف والأشخاص ، ولمسافات فكرية معمقة من قبل الأيدي الخبيثة المغرضة التي ما فتئت تعبث بالتاريخ والحديث والسيرة إرضاءاً لأيدي غريبة عن الدين ، واللَّه المستعان ، ولا حول ولا قوَّة إلا باللَّه العلي العظيم .

الصفحه من 152