صحبة الرسول (صلي الله عليه و آله) بين المنقول و المعقول - الصفحه 86

هنا هو أنَّ الاختلاف مع المعلّم أمر طبيعيّ لو كان غير معصوم وقابلاً للخطأ ، لأنَّه بشرولكنَّ اختلاف الصحابة مع نبيهمومعلمهم أليس قبيحاً؟ وعدم انصياعهم لأوامر نبيهم أليس قبيحاً ؟ بل ألم يكن عدم اعتقادهم بما يقول فضيعاً منهم وأمراً شنيعاً ؟
لا تقل لي : كلّ ذلك لم يصدر ، وأنَّ كلّ ما ذكره المؤرّخون محض أساطير وأكاذيب لفَّقوها .
فإنَّ ما أستندُ إليه في دعواي هذه ليس تلك الكتب التاريخيَّة ; بل هي روايات الصحاح والأسانيد .
وإنَّ مقتضى قواعد البحث العلمي أن تكون ممَّن يتبع الدليل لا ممَّن يُطَوِّع الدليل كما يشاء ، أو يقبل منه ما يوافق هواه ويرفض ما يخالفه .
والمصادر موجودة بين يديك ، وليس عليك إلا الخلوة بنفسك متأملاً في الروايات متصفحاً لكتب التأريخ ، ولا تقل: «إنَّ تلك الكتب كلّها أساطير» ، فتكذب كلّ ما لا يوافق رأيك .
وياترى: هل يبقى لك كتاب تعتمد عليه ; لو رددتَ كلّ ما خالف هواك ؟
الإشارة الثانية: وأمَّا ما تعرضتَ له من أنَّ ذمّهم يسقط مباشرة وبلا تأن ، وذلك في مقابل مدح رئيس الدولة أو القوم لهم ، وفي مقابل كلّ من يذمّهم .
فأين قد صحَّ عن النبيّ الأكرم أنَّه مدحهم عامّة ومطلقاً؟
ثمَّ لو صدر عنه مدح لبعض الصحابة ، حتى ما كان بعنوان الصحابة فلابدَّ من صرفه إلى خصوص الذين اتبعوه بإحسان وأحسنوا الصحبة ، وبذلوا أنفسهم دونه ، لا كلّ من تحقق أنَّه صحب النبيّ بالمعنى الذي ذكرته أوَّل الرسالة ، وهو من آمن بالنبيّ وصحبه ولو لفترة من الزمن ومات على ذلك .
فما العبرة فيمن آمن بالنبيّ وصحبه مدَّة حياته أو مدَّة حياة النبي(صلى الله عليه وآله) لا حبَّاً في الإسلام ; وإنَّما لسلطان النبي(صلى الله عليه وآله)أو لوجاهة بين الناس ، وما أكثر أغراض الناس واختلاف أهدافهم وغاياتهم في التقرب من الرؤساء ، هذا أوّلاً .

الصفحه من 152