قِبَلِ الْمَشْرِقِ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ عَلاَمَةُ مَا يَكُونُ مِنَ الْحُرُوبِ وَالْعَظَائِمِ وَخَرَابِ الْمُدُنِ وَالأَطْرَافِ إلى ظُهُورِ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الْوَادِي الْمَيْشومِ ، وَانْكِشَافِ الْمَسْتُورِ بالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ .
فَقَامَ إلَيْهِ مَالِكُ الأَشْتَرِ فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُبَيِّنْ لَنَا تِلْكَ الْفِتَنَ وَالْعَظَائِمَ الَّتِي ذَكَرْتَهَا خَشِينَا عَلَى قُلُوبِنَا إِزَالَتَهَا عِنْدَ مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ فَقْدِنَا إِيَّاكَ ، لاَ أَرَانَا اللّهُ ذَلِكَ .
فَقَالَ عليه السلام : قُضِيَ الأَمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ، ألاَ إِنَّ الْفِتَنَ مِنْ بَعْدِ مَا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ مَكَّةَ وَالْحَجَرِ مِنْ جُوعٍ أَغْبَرَ وَمَوْتٍ أَحْمَرَ ، فَيَا حَسرَتَا عَلَى أَوْلاَدِ نَبِيِّكُمْ مِنْ غَلاَءٍ وَفَقْرٍ ! حَتَّى يَكُونُوا أكْثَرَ بَيْتٍ سُؤالاً ، فَلاَ يُسْمَعُ لَهُمْ صَوْتٌ ، وَلاَ تُلَبَّى لَهُمْ دَعْوَةٌ ، ثُمَّ لاَ خَيْرَ فِي الْحَياةِ بَعْدَ ذلِكَ .
ثُمَّ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ مُلُوكٌ مَنْ أَطَاعَهُمْ كَفَرُوهُ ۱ ، وَمَنْ عَصَاهُمْ قَتَلُوهُ ، هَاهٍ هَاهٍ يَا وَيْلَ كُوفَانِكُمْ هَذِهِ مِنْ عَزِيزٍ الْهَجَريّ .
فَقَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ : بِمَاذَا يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ ؟
قَالَ : مِنْ خَيْلِ الْهَجَرِيّ إِذَا خَرَجَ الغُلاَمُ الأَسْمَرُ يَقُودُ أُسْداً ضَرَاغِمَةً وَلُيُوثاً مَلاَهِمَةً ، أَوَّلُ اسْمِهِ سِين ، وَأَوَّلُ بَأْسِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، يَقْتُلُ سَادَاتِهُمْ ، وَيَسْبِي حَرِيمَهُمْ . وَتَكُونُ لَهُ وَقْعَةٌ بَيْنَ تُلُولٍ وَآكَامٍ ، يُقْتَلُ بَهَا الرِّجَالُ ، وَتَهْلِكُ الأَبْطَالُ ، بَيْنَ تِلْكَ التُّلُولِ والرِّمَالِ .
فَيَا وَيْلَ كُوفَانِكُمْ هَذِهِ مِنْ نُزُولِهِ فِي دِيَارِكُمْ ، وَهَتْكِهِ لِحَرِيمِكُمْ ، عُمْرُهُ طَوِيلٌ ، وَشَرُّهُ غَزِيْرٌ ، وَرِجَالُهُ ضَرَاغِمَةٌ . وَاللّهِ مَا نُصِرُوا بِعَمَلٍ سَبَقَ ، وَلكِنَّهَا فِتْنَةٌ يَهْلِكُ بِهَا
1.أي لم يشكروا له طاعته . ويمكن أن تقرأ «كَفَّروه» .