تاريخ النشر: 17/12/36
رقم الخبر 45704

خطبة النبي محمد (ص) الغراء في غدير خُم

خطبة النبي محمد (ص) الغراء في غدير خُم

ذو الحِجة السنة العاشرة للهجرة
632.3.16 للميلاد

نجد في السنوات الأخيرة من حياة النبيّ الأكرم (ص) الشريفة جهداً واهتماماً كبيراً منه في سبيل تعيين مصير الدين والمجتمع الإسلاميّ. فتأكيده المتكرّر في التذكير بحديث الثقلين، وتشبيه منزلة أمير المؤمنين عليّ (ع) بمنزلة هارون (ع) في حديث المنزلة، ونزول آية التطهير وتفسيرها والتعريف بأهل البيت، كلّ ذلك يصنّف من جملة هذه الجهود.

وترتسم قمّة هذا النشاط في وقعة الغير. وحسب ما صرّح به علماء أهل السنّة، فقد نقلت الوقعة بنحو متواتر في المصادر القديمة والمعتبرة الحديثيّة والتاريخية.

في شهر ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة وقبل ثلاثة أشهر من وفاة الرسول الأكرم (ص) وعند رجعته من الحج، جمع الرسول (ص) الناس في صحراء قاحلة في منطقة تسمّى بـ(خمّ) وتحدّث لهم.

وإنّ الالتفات إلى الخصائص التي واكبت الحدث والقرائن التي رافقته، تبيّن لنا غاية النبيّ الأكرم (ص) من منحاه في الخطبة ومعناها ومضمونها.

فالرسول (ص) لم ينطق بـ(من كنتُ مولاه فعليّ مولاه) في اجتماع خاصّ وبين أسرته وإنّما أعلنه في خطاب عامّ بعد صلاة الظهر بحضور جمع غفير من المسلمين الذي اجتمعوا في تلك الصحراء القاحلة بخمّ بأمر من الرسول وكانوا ينتظرون خطبته.

أشير في صحيح مسلم ـ ثاني الكتب المعتبرة لدى أهل السنّة ـ إلى خطاب النبيّ الأكرم (ص) وخطبة الغدير۱ كما أشار أحمد بن حنبل۲ ـ مؤسس أحد مذاهب أهل السنّة الأربعة ـ وابن هشام۳ ـ من مؤرّخي التأريخ الإسلاميّ، وابن كثير الدمشقي۴ ـ من أكثر محدّثي أهل السنّة تشدّداً، إلى خطبة الرسول الأكرم (ص). ولكن لم تذكر هذه المصادر إلاً جزءاً من مضامين هذه الخطبة ولم تأت بكامل نصّها للأسف.

ولكن المصادر الشيعيّة نقلت روايات عديدة حول خطبة النبيّ الأكرم (ص) ممّا يشتمل على المضامين المتشتّتة المتواجدة في مصادر أهل السنّة الروائيّة. فقد ذكر ثقة الإسلام الكلينيّ في رواية بأسانيد عديدة ومعتبرة خطبة قصيرة عن النبيّ الأكرم (ص) ۵. ونجد في أسناد هذه الرواية خمسة من أصحاب الإجماع ممّا يجعل الرواية في مستوى عالي من الإتقان والاعتبار. كما نقل الشيخ الصدوق بأسناد معتبرة رواية جامعة في خطبة النبيّ الأكرم (ص) تشتمل على مجموع ما ورد في روايات أهل السنّة حول هذه الخطبة۶. ونجد رواية مفصّلة أخرى حول خطبة الغدير في كتب روضة الواعظين والاحتجاج والتحصين واليقين أيضاً۷. وهنا نذكر نصّ رواية الشيخ الصدوق التي تشتمل مضافاً إلى اعتبارها السنديّ على مضامين رائعة:

«حَدَّثَنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوَليد رضي اللّه عنه قال: حَدَّثَنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخَطَّاب، ويعقوب بن يزيد جميعاً، عن محمد بن أبي عُمَير، عن عبد اللّه بن سِنان، عن مَعرُوفِ بن خَرَّبُوذ، عن أبي الطُفَيل عامِر بن واثِلَة، عن حُذَيفَة بن أُسَيدِ الغِفاري: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) مِن حَجَّةِ الوِداعِ ونَحنُ مَعَهُ، أَمَرَ أَصحابَهُ بِالنُّزُولِ، فَنَزَلَ القَومُ مَنازِلَهَم، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى بِأَصحابِهِ رَكعَتَينِ، ثُمَّ أَقبَلَ بِوَجهِهِ إِلَيهِم فَقالَ لَهُم:

اِنَّهُ قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ اَنِّي مَيِّتٌ وَاَنَّكُم مَيِّتُونَ، وَكَاَنِّي قَد دُعِيتُ فَأَجَبتُ، وَاِنِّي مَسؤُولٌ عَمَّا اُرسِلتُ بِهِ اِلَيكُم، وَعَمَّا خَلَّفتُ فيكُم مِن كِتابِ اللَّه وَحُجَّتِهِ، وَاَنَّكُم مَسؤُولُونَ عَمَّا اُرسِلتُ بِهِ اِلَيكُم وعَمَّا خَلَّفتُ فيكُم مِن كِتابِ اللَّهِ وحُجَّتِهِ، واَنَّكُم مَسؤُولُونَ فَما اَنتُم قائِلُونَ لِرَبِّكُم؟

قالُوا: نَقُولُ: قَد بَلَّغتَ ونَصَحتَ وجاهَدتَ، فَجَزاكَ اللَّهُ عَنَّا اَفضَلَ الجَزاءِ.

ثُمَّ قالَ لَهُم: اَلَستُم تَشهَدُونَ اَن لا اِلهَ اِلا اللَّهُ، واَنِّي رَسُولُ اللَّهِ اِلَيكُم، وَاَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، واَنَّ النَّارَ حَقٌّ، واَنَّ البَعثَ بَعدَ المَوتِ حَقٌّ؟ فَقالُوا: نَشهَدُ بِذلِكَ. قالَ: اَللَّهُمَّ اشهَد عَلى ما يَقُولُونَ. اَلا واِنِّي اُشهِدُكُم اَنِّي اَشهَدُ اَنَّ اللَّهَ مَولايَ واَنَا مَولى كُلِ‏ مُسلِمٍ، واَنَا اَولَى بِالمُؤمِنينَ مِن اَنفُسِهِم، فَهَل تَقِرُّونَ [لِي‏] بِذلِكَ وتَشهَدُوُنَ لِي بِهِ؟

فَقالُوا: نَعَم، نَشهَدُ لَكَ بِذلِكَ.

فَقالَ: اَلا مَن كُنتُ مَولاهُ فَاِنَّ عَلِيّاً مَولاهُ، وهُوَ هذا.

ثُمَّ اَخَذَ بِيَدِ عَليٍّ فَرَفَعَها مَعَ يَدِهِ حَتَّى بَدَت آباطُهُما، ثُمَّ قالَ:

اَللَّهُمَّ والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداهُ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ واخذُل مَن خَذَلَهُ.

اَلا واِنِّي فَرَطُكُم واَنتُم وارِدُونَ عَلَيَّ الحَوضَ [ حَوضِي ] غَداً، وهُوَ حَوضٌ عَرضُهُ ما بَينَ بُصرى وصَنعاءِ، فِيهِ اَقداحٌ مِن فِضَّةٍ، عَدَدَ نُجُومِ السَّماءِ. اَلا، واِنِّي سائِلُكُم غَداً، ماذا صَنَعتُم فيما اَشهَدتُ اللَّهَ بِهِ عَلَيكُم فِي يَومِكُم هذا، اِذا وَرَدتُم عَلَيَّ حَوضِي؟ وماذا صَنَعتُم بِالثَّقَلَينِ مِن بَعدِي؟ فَانظُرُوا كَيفَ تَكُونُونَ خَلَّفتُمُونِي فيهِما حِينَ تَلقُونِي؟

قالُوا: وما هذانِ الثَّقَلانِ يا رَسُولَ اللَّهِ؟

قالَ: اَمَّا الثَّقَلُ الاَكبَرُ فَكِتابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، سَبَبٌ مَمدُودٌ مِنَ اللَّهِ ومِنِّي فِي اَيديكُم، طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ والطَّرَفُ الآخَرُ بِاَيديكُم، فيهِ عِلمُ ما مَضى وما بَقِيَ اِلى اَن تَقُومَ السَّاعَةُ وأمَّا الثَقَلُ الأَصغَرُ فَهُوَ حَليفُ القُرآنِ وهُوَ عَليّ‏ بنِ أبي‏ طالِب وعِترَتُهُ، وَاِنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتَّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ.

قالَ مَعرُوفُ بنِ خَرَّبُوذ: فَعَرَضتُ هذا الكَلامَ عَلی اَبِي جَعفَر (ع) فَقالَ: صَدَقَ اَبُو الطُفَيل، هذا كَلامٌ وَجَدناهُ فِي كِتابِ عَلِيٍّ وعَرَفناهُ.»۸

حديث الغدير في مصادر أهل السنّة

۱.

«نزلنا مع رسول اللهˆ بواد يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير. قال: فخطبنا وظلّل لرسول الله (ص) بثوب على شجره سمرة من الشمس. فقال: ألستم تعلمون؟ أو لستم تشهدون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فان عليّاً مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»۹.

۲.

«قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى غدير خم فأمر بِدُوحٍ فَكُسِحَ في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حرا منه فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس انه لم يبعث نبيّ قطّ إلاّ ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله وإني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده، كتاب الله عزوجل. ثم قام فأخذ بيد عليّ (رض)، فقال: يا أيّها الناس! من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه»۱۰.

  1. وأخرج النسائيّ عن زيد بن أرقم قال؛

«لما دفع النبيّ (ص) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثمّ قال: كأني دعیت فأجیب وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيها فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثمّ قال: إن الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن. ثمّ انه أخذ بيد عليّ (رض) فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»۱۱.

والطبرانيّ أشار بحديث الثقلين في خطاب النبي يوم غدير خم نقلا عن زيد بن أرقم۱۲ وحذيفة بن أسيد۱۳.


۱ صحيح مسلم: ج ۴ ص ۱۸۷۳ الرقم ۲۴۰۸.

۲ مسند ابن حنبل: ج ۷ ص ۸۶ الرقم ۱۹۳۴۴.

۳ السيرة النبوية: ج ۴ ص ۴۲۲.

۴ البدایة والنهایة: ج ۵ ص ۲۲۷.

۵ الكافي: ج ۱ ص ۲۸۹.

۶ الخصال: ص ۶۵ ح ۹۸.

۷ روضة الواعظين: ص ۸۹ ـ ۱۰۱، الاحتجاج: ص ۶۶ ـ، التحصين: ص ۵۷۸، اليقين: ص ۳۴۳.

۸. الخصال: ص ۶۵، ح ۹۸،  بحارالانوار: ج۷۳ ص ۱۲۱.

۹. مسند ابن حنبل: ج ۷ ص ۸۶ الرقم ۱۹۳۴۴، فضائل الصحابه لابن حنبل: ج ۲ ص ۵۹۷ الرقم۱۰۱۷، المعجم الكبیر: ج ۵ ص ۲۰۲ الرقم۵۰۹۲، البدایة والنهایة: ج ۵ ص ۲۱۲ وج ۷ ص ۳۴۹. كذلك يراجع: سنن ابن ماجه: ج ۱ ص ۴۳ الرقم۱۱۶ نقلاً عن: براء بن عازب.

۱۰. المستدرك علی الصحیحین: ج ۳ ص  ۵۳۳، كذلك يراجع: المعجم الكبیر: ج ۵ ص ۱۶۷ الرقم ۴۹۷۱۵، معجم الزوائد: ج ۹ ص ۱۶۳.

۱۱. خصائص امیرالمؤمنین: ص ۱۵۰ الرقم۷۹، السنن الكبری: ج ۵ ص ۱۳۰، المستدرك علی الصحیحین: ج ۳ ص ۱۰۹ و۱۱۰.

۱۲. المعجم الكبیر: ج ۵ ص ۱۶۷ الرقم۴۹۷۱.

۱۳. المعجم الكبیر: ج ۳ ص ۱۸۰ الرقم۳۰۵۲ وص ۶۷ الرقم۲۶۸۳.

المصدر: