فبَقيَ في ذلكَ دَهراً طويلاً يَحمَدُ اللَّهَ ويَشكُرُهُ حتّى وَقَعَ في بَدَنهِ الدُّودُ ، فكانَت تَخرُجُ مِن بَدَنهِ فيَرُدُّها فيقولُ لَها : ارجِعي إلى مَوضِعِكِ الّذي خَلَقَكِ اللَّهُ مِنهُ ، ونَتنَ حتّى أخرَجَهُ أهلُ القَريَةِ مِن القَريَةِ وألقَوهُ في المَزبَلَةِ خارِجَ القَريَةِ .
وكانَتِ امرأتُهُ رَحمَةُ بِنتُ أفراييمَ بنِ يُوسفَ ابنِ يَعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السلام ، وعلَيها يُتَصَدَّقُ مِن الناسِ وتَأتيهِ بما تَجِدُهُ .
قالَ : فلَمّا طالَ علَيهِ البَلاءُ ورأى إبليسُ صَبرَهُ أتى أصحاباً لأيُّوبَ كانوا رُهباناً في الجِبالِ ، وقالَ لَهُم : مُرُّوا بِنا إلى هذا العَبدِ المُبتلى فنَسألهُ عَن بَليَّتهِ ، فَرَكِبوا بِغالاً شُهباً وجاؤوا ، فلَمّا دَنَوا مِنهُ نَفرَت بِغالُهُم مِن نَتنِ ريحِهِ ، فنَظَرَ بَعضُهُم إلى بَعضٍ ثُمّ مَشَوا إليهِ - وكانَ فيهِم شابٌّ حَدَثُ السِّنِّ - فقَعَدوا إلَيهِ فقالوا : يا أيُّوبُ، لو أخبَرتَنا بذَنبِكَ لَعلَّ اللَّهَ يُهلِكُنا إذا سَألناهُ ، ومانَرى ابتِلاءكَ بهذا البَلاءِ الّذي لَم يُبتَلَ بهِ أحَدٌ إلّا مِن أمرٍ كُنتَ تَستُرُهُ .
فقالَ أيُّوبُ : وعِزَّةِ ربِّي إنّهُ لَيَعلَمُ أ نّي ما أكَلتُ طَعاماً إلّا ويَتيمٌ أو ضَعيفٌ يأكُلُ مَعي ، وما عَرَضَ لي أمرانِ كلاهُما طاعَةُ اللَّهِ إلّا أخَذتُ بأشَدِّهِما على بَدَني ، فقالَ الشّابُّ : سَوءَةً لَكُم ! عَيَّرتُم نَبيَّ اللَّهِ حتّى أظهَرَ مِن عِبادَةِ ربِّهِ ماكانَ يَستُرُها !
فقالَ أيُّوبُ : يارَبِّ، لو جَلَستُ مجلِسَ الحُكمِ مِنكَ لأدلَيتُ بحُجَّتي ، فَبَعثَ اللَّهُ إلَيهِ غَمامَةً فقالَ : يا أيُّوبَ، أدلِ بحُجَّتِكَ فقد أقعَدتُكَ مَقعَدَ الحُكمِ ، وها أنا ذا قَريبٌ ولَم أزَلْ .
فقالَ : يا ربِّ، إنّكَ لَتَعلَمُ أ نّهُ لَم يَعرِضْ لي أمرانِ قَطُّ كِلاهُما لكَ طاعَةٌ إلّا أخَذتُ بأشَدِّهِما على نَفسي ، ألَم أحمَدْكَ ؟! ألَم أشكُرْكَ ؟ ! ألَم اُسَبِّحْكَ ؟ !
قالَ : فنُودِيَ مِن الغَمامَةِ بعَشرَةِ آلافِ لِسانٍ : يا أيُّوبُ، مَن صَيَّرَكَ تَعبُدُ اللَّهَ والنّاسُ عَنهُ غافِلونَ؟! وتَحمَدُهُ