إجمال ما سيأتي في تفسير الآيات تفصيله إن شاء اللَّه تعالى .
وأمّا ما قاله الناس في عيسى عليه السلام ، فإنّهم وإن تشتّتوا في مذاهبهم بعده واختلفوا في مسالكهم بما ربّما جاوز السبعين من حيث كلّيّات ما اختلفوا فيه ، وجزئيّات المذاهب والآراء كثيرة جدّاً ، لكنّ القرآن إنّما يهتمّ بما قالوا به في أمر عيسى نفسه واُمّه ؛ لمساسه بأساس التوحيد الذي هو الغرض الوحيد فيما يدعو إليه القرآن الكريم والدين الفطريّ القويم ، وأمّا بعض الجزئيّات - كمسألة التحريف ، ومسألة التفدية - فلم يهتمّ به ذاك الاهتمام .
والذي حكاه القرآن الكريم عنهم أو نسبه إليهم ما في قوله تعالى : (وقالَتِ النَّصارى المَسيحُ ابْنُ اللَّهِ)۱وما في معناه كقوله تعالى : (وقالوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ ولَداً سُبْحانَهُ)۲ ، وما في قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قالوا إنَّ اللَّهَ هُوَ المَسيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)۳ ، وما في قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ)۴ ، وما في قوله تعالى : (ولا تَقولوا ثَلاثَةٌ) .۵
وهذه الآيات وإن اشتملت بظاهرها على كلمات مختلفة ذوات مضامين ومعان متفاوتة - ولذلك ربّما حُمِلت۶ على اختلاف المذاهب في ذلك كمذهب الملكانيّة القائلين بالبنوّة الحقيقية ، والنسطوريّة القائلين بأنّ النزول والبنوّة من قبيل إشراق النور على جسم شفّاف كالبلّور ، واليعقوبيّة القائلين بأنّه من الانقلاب ، وقد انقلب الإله سبحانه لحماً ودماً - لكنّ الظاهر أنّ القرآن لايهتمّ بخصوصيّات مذاهبهم المختلفة ، وإنّما يهتمّ بكلمة واحدة مشتركة بينهم جميعاً وهو البنوّة ، وأنّ المسيح من سنخ الإله سبحانه ، وما يتفرّع عليه من حديث التثليث وإن اختلفوا في تفسيرها
1.التوبة : ۳۰ .
2.الأنبياء : ۲۶ .
3.المائدة : ۷۲ .
4.المائدة : ۷۳ .
5.النساء : ۱۷۱ .
6.كما فعله الشهرستانيّ في الملل والنحل. (كما في هامش المصدر).