ثمّ إنّ عيسى عليه السلام اُوتي الرسالة إلى بني إسرائيل ، فانبعث يدعوهم إلى دين التوحيد ويقول : إنّي قد جئتكم بآية من ربّكم أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفُخ فيه فيكون طيراً بإذن اللَّه ، واُبرئ الأكمه والأبرص واُحيي الموتى بإذن اللَّه ، واُنبّئُكُم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم ، إنّ في ذلك لآية لكم ، إنّ اللَّه هو ربّي وربّكم فاعبدوه .
وكان يدعوهم إلى شريعته الجديدة وهو تصديق شريعة موسى عليه السلام ، إلّا أنّه نسخ بعض ما حُرّم في التوراة تشديداً علَى اليهود ، وكان يقول : إنّي قد جئتكم بالحكمة ولاُبيِّن لكم بعض الذي تختلفون فيه ، وكان يقول : يا بني إسرائيل ، إنّي رسول اللَّه إليكم مصدّقاً لما بين يديّ من التوراة مبشّراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد .
وأنجز عليه السلام ماذكره لهم من المعجزات كخلق الطير ، وإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، والإخبار عن المغيّبات بإذن اللَّه .
ولم يزل يدعوهم إلى توحيد اللَّه وشريعته الجديدة حتّى أيس من إيمانهم ؛ لِما شاهد من عتوّ القوم وعنادهم واستكبار الكهنة والأحبار عن ذلك ، فانتخب من الشرذمة التي آمنت به الحواريّين أنصاراً له إلَى اللَّه .
ثم إنّ اليهود ثاروا عليه يريدون قتله فتوفّاه اللَّه ورفعه إليه ، وشُبِّه لليهود : فمن زاعم أنّهم قتلوه ، ومن زاعم أنّهم صلبوه ، ولكن شُبّه لهم (آل عمران آية 45 - 58 ، الزخرف آية 63 - 65 ، الصفّ آية 6 و 14 ، المائدة آية 110 و 111 ، النساء آية 157 و 158) ، فهذه جمل ما قصّه القرآن في عيسَى بن مريم واُمّه .
2 . منزلة عيسى عليه السلام عند اللَّهِ وموقفه في نفسه:
كان عليه السلام عبداً للَّه وكان نبيّاً (سورة مريم آية 30) وكان رسولاً إلى بني إسرائيل (آل عمران آية 49)، وكان واحداً من