معارف حقّة لا يرتاب ذو لبّ فيها وتضطرّ العقول إلى قبولها قد هدَى اللَّه النبيّ إليها ، فهو مؤمن بآيات اللَّه ؛ إذ لولم يكن مؤمناً لم يهده اللَّه واللَّه لا يهدي من لا يؤمن بآياته ، وإذ كان مؤمناً بآيات اللَّه فهو لا يفتري علَى اللَّه الكذب ؛ فإنّه لا يفتري عليه إلّا من لا يؤمن بآياته ، فليس هذا القرآن بمفترى ، ولا مأخوذاً من بشر ومنسوباً إلَى اللَّه سبحانه كذباً .
فقوله : (لِسانُ الّذي يُلْحِدونَ إلَيهِ أعْجَميٌّ وهذا لِسانٌ عَرَبيٌّ مُبينٌ) جواب عن أوّل شقَّي الشبهة ؛ وهو أن يكون القرآن بلفظه مأخوذاً من بشر على نحو التلقين . والمعنى : أنّ لسان الرجل الذي يُلحدون - أي يميلون - إليه وينوونه بقولهم : (إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) أعجميّ أي غير فصيح بيّن ، وهذا القرآن المتلوّ عليكم لسان عربيّ مبين ، وكيف يُتصوّر صدور بيان عربيّ بليغ من رجل أعجميّ اللسان ؟
وقوله : (إنّ الّذِينَ لا يُؤمنونَ ...) إلى آخر الآيتَين جواب عن ثاني شقّي الشبهة؛ وهو أن يتعلّم منه المعاني ثمّ ينسبها إلَى اللَّه افتراءً .
والمعنى : أنّ الذين لا يؤمنون بآيات اللَّه ويكفرون بها لا يهديهم اللَّه إليه وإلى معارفه الحقّة الظاهرة ولهم عذاب أليم ، والنبيّ صلى اللَّه عليه وآله مؤمن بآيات اللَّه لأنّه مهديّ بهداية اللَّه ، وإنّما يفتري الكذب وينسبه إلَى اللَّه الذين لا يؤمنون بآيات اللَّه واُولئك هم الكاذبون المستمرّون علَى الكذب ، وأمّا مِثل النبيّ صلى اللَّه عليه وآله المؤمن بآيات اللَّه فإنّه لا يفتري الكذب ولا يكذب ، فالآيتان كنايتان عن أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله مهديّ بهداية اللَّه مؤمن بآياته ، ومثله لا يفتري ولا يكذب .
والمفسّرون قطعوا الآيتين عن الآية الاُولى ، وجعلوا الآية الاُولى هي الجواب الكامل عن الشبهة ، وقد عرفت أ نّها لا تفي بتمام الجواب .