ثمّ حملوا قوله : (وهذا لِسانٌ عَرَبيٌّ مُبينٌ) علَى التحدّي بإعجاز القرآن في بلاغته . وأنت تعلم أن لا خبر في لفظ الآية عن أنّ القرآن معجز في بلاغته ولا أثر عن التحدّي ، ونهاية ما فيه أ نّه عربيّ مبين لا وجه لأن يفصح عنه ويلفظه أعجميّ .
ثمّ حملوا الآيتين التاليتين على تهديد اُولئك الكفرة بآيات اللَّه الرامين لرسوله صلى اللَّه عليه وآله بالافتراء ، ووعيدهم بالعذاب الأليم، وقلب الافتراء والكذب إليهم بأ نّهم أولى بالافتراء والكذب بما أ نّهم لايؤمنون بآيات اللَّه فإنّ اللَّه لم يهدهم .
ثمّ تكلّموا بالبناء عليه في مفردات الآيتين بما يزيد في الابتعاد عن حقّ المعنى .
وقد عرفت أنّ ذلك يؤدّي إلى عدم كفاية الجواب في حسم الإشكال من أصله» .۱
وقال في مبحث إعجاز القرآن في تحدّيه بمن اُنزل عليه ما نصّه : «وقد تحدّى بالنبيّ الاُمّي الذي جاء بالقرآن المعجز في لفظه ومعناه ، ولم يتعلّم عند معلّم ولم يتربّ عند مربٍّ ، بقوله تعالى : (قُلْ لَو شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ علَيْكُم ولا أدْراكُم بهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُم عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أفلا تَعْقِلونَ)۲ ، فقد كان صلى اللَّه عليه وآله بينهم وهو أحدهم لا يتسامى في فضل ولا ينطق بعلم حتّى لم يأت بشيء من شعر أو نثر نحواً من أربعين سنة وهو ثلثا عمره لا يحوز تقدّماً ولا يرد عظيمة من عظائم المعالي ثمّ أتى بما أتى به دفعة ، فأتى بما عجزت عنه فُحولهم وكلّت دونه ألسنة بلغائهم ، ثمّ بثّه في أقطار الأرض فلم يجترئ على معارضته مُعارِض من عالم أو فاضل أو ذي لبّ وفطانة .
وغاية ما أخذوه عليه : أ نّه سافر إلَى الشام للتجارة فتعلّم هذه القصص ممّن هناك من الرهبان . ولم يكن
1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۲ / ۳۴۷ .
2.يونس : ۱۶ .