أسفاره إلَى الشام إلّا مع عمّه أبي طالب قبل بلوغه ، وإلّا مع ميسرة مولى خديجة وسنّه يومئذٍ خمسة وعشرون ، وهو مع من يلازمه في ليله ونهاره . ولو فرض محالاً ذلك فما هذه المعارف والعلوم ؟ ومن أين هذه الحكم والحقائق ؟ وممّن هذه البلاغة في البيان الذي خضعت له الرقاب وكلّت دونه الألسن الفصاح ؟
وما أخذوه عليه أ نّه كان يقف على قين بمكّة من أهل الروم كان يعمل السيوف ويبيعها ، فأنزل اللَّه سبحانه : (ولَقَدْ نَعْلَمُ أ نَّهُمْ يَقولونَ إنّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الّذِي يُلْحِدونَ إلَيهِ أعْجَميٌّ وهذا لِسانٌ عَرَبيٌّ مُبينٌ) .۱
وما قالوا عليه أ نّه يتعلّم بعض ما يتعلّم من سلمان الفارسيّ وهو من علماء الفرس عالم بالمذاهب والأديان ، مع أنّ سلمان إنّما آمن به في المدينة ، وقد نزل أكثر القرآن بمكّة وفيها من جميع المعارف الكلّيّة والقصص ما نزلت منها بمدينة بل أزيد ، فما الذي زاده إيمان سلمان وصحابته ؟
على أنّ من قرأ العهدَين وتأمّل ما فيهما ثمّ رجع إلى ما قصّه القرآن من تواريخ الأنبياء السالفين واُممهم رأى أنّ التاريخ غير التاريخ والقصّة غير القصّة ، ففيهما عثرات وخطايا لأنبياء اللَّه الصالحين تنبو الفطرة وتتنفّر من أن تنسبها إلَى المتعارف من صلحاء الناس وعقلائهم ، والقرآن يبرّئهم منها ، وفيها اُمور اُخرى لا يتعلّق بها معرفة حقيقيّة ولا فضيلة خلقيّة ، ولم يذكر القرآن منها إلّا ما ينفع الناس في معارفهم وأخلاقهم وتركَ الباقي وهو الأكثر» .۲
۲۰۰۶۴.الإمامُ الباقرُ عليه السلام : أقبَلَ أبو جَهلٍ بنُ هِشامٍ وَمعَهُ قَومٌ مِن قُريشٍ فدَخَلوا على أبي طالِبٍ فقالوا : إنّ ابنَ أخيكَ قد آذانا وآذى آلِهَتَنا ، فادْعُهُ ومُرْهُ فلْيَكُفَّ عن آلِهَتِنا ونَكُفَّ عن إلهِهِ . قالَ : فبَعَثَ أبو
1.النحل : ۱۰۳ .
2.الميزان في تفسير القرآن : ۱ / ۶۳ .