خصائص خاتم النبیین - الصفحه 35

من الواجب أن يلفت نظر هذا المعترض المستشكل إلى‏ أنّ قصّة تعدّد زوجات النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ليست على‏ هذه السذاجة (أ نّه صلى اللَّه عليه وآله بالغ في حبّ النساء حتّى‏ أنهى‏ عدّة أزواجه إلى‏ تسع نسوة ) بل كان اختياره لمن اختارها منهنّ على‏ نهج خاصّ في مدى‏ حياته ؛ فهو صلى اللَّه عليه وآله كان تزوّج - أوّل ما تزوّج - بخديجة رضي اللَّه عنها ، وعاش معها مقتصراً عليها نيّفاً وعشرين سنة وهي ثلثا عمره الشريف بعد الازدواج ، منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوّته قبل الهجرة من مكّة . ثمّ هاجر إلَى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين ، وتزوّج بعدها من النساء منهنّ البكر ومنهنّ الثيّب ، ومنهنّ الشابّة ومنهنّ العجوز والمكتهلة ، وكان على‏ ذلك ما يقرب من عشرة سنين ، ثمّ حرّم عليه النساء بعد ذلك إلّا من هي في حبالة نكاحه . ومن المعلوم أنّ هذا الفعال على‏ هذه الخصوصيّات لا يقبل التوجيه بمجرّد حبّ النساء والولوع بهنّ والوله بالقرب منهنّ ؛ فأوّل هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك .
على‏ أ نّا لا نشكّ - بحسب ما نشاهده من العادة الجارية - أنّ المتولّع بالنساء المغرم بحبّهنّ والخلاء بهنّ والصبوة إليهنّ مجذوب إلَى الزينة ، عشيق للجمال ، مفتون بالغنج والدلال ، حنين إلَى الشباب ونضارة السنّ وطراوة الخلقة ، وهذه الخواصّ أيضاً لا تنطبق على سيرته صلى اللَّه عليه وآله ؛ فإنّه بنى‏ بالثيّب بعد البكر وبالعجوز بعد الفتاة الشابّة ، فقد بنى‏ باُمّ سَلَمة وهي مُسنّة ، وبنى‏ بزينب بنت جحش وسنّها يومئذٍ يربو على‏ خمسين بعد ما تزوّج بمثل عائشة واُمّ حبيبة ... وهكذا .
وقد خَيّر صلى اللَّه عليه وآله نساءه بين التمتيع والسَّراح الجميل - وهو الطلاق - إن كنّ يُرِدن الدنيا وزينتها ، وبين الزهد في الدنيا وترك التزيين والتجمّل إن كنّ يُرِدن اللَّه ورسوله والدار الآخرة ،

الصفحه من 38