من الواجب أن يلفت نظر هذا المعترض المستشكل إلى أنّ قصّة تعدّد زوجات النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ليست على هذه السذاجة (أ نّه صلى اللَّه عليه وآله بالغ في حبّ النساء حتّى أنهى عدّة أزواجه إلى تسع نسوة ) بل كان اختياره لمن اختارها منهنّ على نهج خاصّ في مدى حياته ؛ فهو صلى اللَّه عليه وآله كان تزوّج - أوّل ما تزوّج - بخديجة رضي اللَّه عنها ، وعاش معها مقتصراً عليها نيّفاً وعشرين سنة وهي ثلثا عمره الشريف بعد الازدواج ، منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوّته قبل الهجرة من مكّة . ثمّ هاجر إلَى المدينة وشرع في نشر الدعوة وإعلاء كلمة الدين ، وتزوّج بعدها من النساء منهنّ البكر ومنهنّ الثيّب ، ومنهنّ الشابّة ومنهنّ العجوز والمكتهلة ، وكان على ذلك ما يقرب من عشرة سنين ، ثمّ حرّم عليه النساء بعد ذلك إلّا من هي في حبالة نكاحه . ومن المعلوم أنّ هذا الفعال على هذه الخصوصيّات لا يقبل التوجيه بمجرّد حبّ النساء والولوع بهنّ والوله بالقرب منهنّ ؛ فأوّل هذه السيرة وآخرها يناقضان ذلك .
على أ نّا لا نشكّ - بحسب ما نشاهده من العادة الجارية - أنّ المتولّع بالنساء المغرم بحبّهنّ والخلاء بهنّ والصبوة إليهنّ مجذوب إلَى الزينة ، عشيق للجمال ، مفتون بالغنج والدلال ، حنين إلَى الشباب ونضارة السنّ وطراوة الخلقة ، وهذه الخواصّ أيضاً لا تنطبق على سيرته صلى اللَّه عليه وآله ؛ فإنّه بنى بالثيّب بعد البكر وبالعجوز بعد الفتاة الشابّة ، فقد بنى باُمّ سَلَمة وهي مُسنّة ، وبنى بزينب بنت جحش وسنّها يومئذٍ يربو على خمسين بعد ما تزوّج بمثل عائشة واُمّ حبيبة ... وهكذا .
وقد خَيّر صلى اللَّه عليه وآله نساءه بين التمتيع والسَّراح الجميل - وهو الطلاق - إن كنّ يُرِدن الدنيا وزينتها ، وبين الزهد في الدنيا وترك التزيين والتجمّل إن كنّ يُرِدن اللَّه ورسوله والدار الآخرة ،