تاريخ النشر: 29/02/37
رقم الخبر 47270

ذکرى استشهاد الإمام علی بن موسى الرضا(ع)

ذکرى استشهاد الإمام علی بن موسى الرضا(ع)

لقد کان الإمام الرضا(علیه السلام) یعلم بأنه سوف یُقتل؛ وذلک لروایات وردت عن آبائه عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)، إضافة إلى الإلهام الإلهی له.

ولقد کان الإمام الرضا(علیه السلام) یعلم بأنه سوف یُقتل؛ وذلک لروایات وردت عن آبائه عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)، إضافة إلى الإلهام الإلهی له؛ لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحی، ولا غرابة فی ذلک؛ فقد شاهدنا فی حیاتنا المعاصرة أن بعض الأتقیاء یحدّدون أیام وفاتهم أو سنة وفاتهم لرؤیا رأوها أو لإلهام إلهی غیر منظور، فما المانع أن یعلم الإمام الرضا(علیه السلام) بمقتله وهو الشخصیة العظیمة التی ارتبطت بالله تعالى ارتباطاً حقیقیاً فی سکناتها وحرکاتها، وأخلصت له إخلاصاً تاماً.

وقد أخبر الإمام(علیه السلام) جماعة من الناس بأنّه سیدفن قرب هارون بقوله(علیه السلام): (أنا وهارون کهاتین)، وضم إصبعیه السبابة والوسطى.

وکان هارون یخطب فی مسجد المدینة والإمام حاضر، فقال(علیه السلام):

(ترونی وإیاه ندفن فی بیت واحد) .

وفی ذات مرّة خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج الإمام من باب آخر فقال(علیه السلام): (یا بعد الدار وقرب الملتقى إن طوس ستجمعنی وإیاه).

وقال ابن حجر: أخبر بأنه یموت قبل المأمون، وأنّه یدفن قرب الرشید فکان کما أخبر.

وحینما أراد المأمون إشخاصه إلى خراسان جمع عیاله وکان(علیه السلام) یقول: (إنی حیث أرادوا الخروج بی من المدینة جمعت عیالی، فأمرتهم أن یبکوا علیّ حتى اسمع، ثم فرقت فیهم اثنى عشر ألف دینار، ثم قلت: أما إنی لا أرجع إلى عیالی أبداً).

وحینما أنشده دعبل الخزاعی قصیدته - بعد ولایة العهد - وانتهى إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زکیة  تضمّنها الرحمن فی الغرفات

وقال له الإمام(علیه السلام): (أفلا ألحق لک بهذا الموضع بیتین بهما تمام قصیدتک؟

فقال: بلى یا ابن رسول الله، فقال(علیه السلام) :

وقبر بطوس یا لها من مصیبة   توقد فی الأحشاء بالحرقات

فقال دعبل: یا ابن رسول الله هذا القبر الذی بطوس قبر من هو؟

فقال الإمام(علیه السلام) : قبری، ولا تنقضی الأیام واللیالی حتى تصیر طوس مختلف شیعتی وزواری...) .

-الأدلة على شهادته مسموماً:

اختلفت الروایات فی سبب موت الإمام(علیه السلام) بین الموت الطبیعی وبین السمّ، وقال أکثرهم إنّه مات مسموماً، وفیما یلی  بعض الروایات - الدالة على ذلک - باختصار:

قال صلاح الدین الصفدی: وآل أمره مع المأمون إلى أن سمّه فی رمّانة... مداراة لبنی العباس .

وقال الیعقوبی: فقیل إن علی بن هشام أطعمه رمّاناً فیه سمّ .

وقال ابن حبّان: ومات علی بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إیاها المأمون فمات من ساعته .

وقال شهاب الدین النویری:... وقیل إن المأمون سمّه فی عنب، واستبعد ذلک جماعة وأنکروه .

وقال القلقشندی: یقال إنه سمّ فی رمّان أکله .

وکان أهل طوس یرون أن المأمون سمّه، وقد اعترف المأمون بتهمة الناس له فقد دخل على الإمام(علیه السلام) قبیل موته فقال: (یا سیدی والله ما أدری أی المصیبتین أعظم علی؟ فقدی لک، وفراقی إیاک؟ أو تهمة الناس لی أنی اغتلتک وقتلتک...) .

ولما کان الیوم الثانی اجتمع الناس وقالوا: إن هذا قتله واغتاله، یعنون المأمون .

ومن الشواهد على أن المأمون قتله مسموماً أنه کان یخطط للتخلص منه.

وقال المأمون لبنی العباس:  ... فلیس یجوز التهاون فی أمره، ولکنّا نحتاج أن نضع منه قلیلاً قلیلاً حتى نصوّره عند الرعایا بصورة من لا یستحق هذا الأمر، ثم ندبّر فیه بما یحسم عنّا مواد بلائه .

ویأتی موت الإمام(علیه السلام) بعد قرار المأمون بالتوجه إلى العراق ونقل عاصمة حکمه إلیه، فقد وجد أنّ العباسیین فی العراق سیبقون معارضین له ما دام الإمام(علیه السلام) ولیاً لعهده، لذا نجده قد کتب لهم لیستمیلهم: إنکم نقمتم علیّ بسبب تولیتی العهد من بعدی لعلی بن موسى الرضا، وها هو قد مات، فارجعوا إلى السمع والطاعة.

ولا یستبعد من المأمون أن یقدم على قتله، وقد قتل من أجل الملک والسلطة أخاه وآلاف المسلمین من جنوده وجنود أخیه، فالملک عقیم کما أخبره أبوه من قبل.

-أسباب إقدام المأمون على سمّ الإمام(علیه السلام) واغتیاله:

من الأسباب التی دعت المأمون إلى سمّ الإمام أنّه لم یحصل على ما أراد من تولیته للعهد، فقد حدثت له فتنة جدیدة وهی تمرّد العباسیین علیه، ومحاولتهم القضاء علیه.

ومن الأسباب التی وردت عن أحمد بن علی الأنصاری عن أبی الصلت الهروی فی قوله: (... وجعل له ولایة العهد من بعده لیرى الناس أنه راغب فی الدنیا؛ فیسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم یظهر منه فی ذلک للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاًّ فی نفوسهم، وجلب علیه المتکلمین من البلدان طمعاً من أن یقطعه واحد منهم فیسقط محله عند العلماء، وبسببهم یشتهر نقصه عند العامة، فکان لا یکلمه خصم من الیهود والنصارى والمجوس والصابئیة والبراهمة والملحدین والدهریة، ولا خصم من فرق المسلمین المخالفین إلا قطعه وألزمه الحجة.

وکان الناس یقولون: والله إنّه أولى بالخلافة من المأمون، فکان أصحاب الأخبار یرفعون ذلک إلیه، فیغتاظ من ذلک ویشتد حسده ).

وکان الرضا لا یُحابی المأمون فی حق، وکان یجیبه بما یکره فی أکثر أحواله ؛ فیغیظه ذلک، ویحقد علیه، ولا یظهره له، فلمّا أعیته الحیلة فی أمره اغتاله فقتله بالسم .

وقد نصحه الإمام(علیه السلام) بأن یبعده عن ولایة العهد لبغض البعض لذلک، وقد علّق إبراهیم الصولی على ذلک بالقول: کان هذا والله السبب فیما آل الأمر إلیه .

إضافة إلى ذلک أن بعض وزراء المأمون وقوّاده کانوا یبغضون الإمام(علیه السلام) ویحسدونه، فکثرت وشایاتهم على الإمام(علیه السلام) ، فأقدم المأمون على سمّه .

وبدأت علامات الموت تظهر على الإمام(علیه السلام) بعد أن أکل الرمان أو العنب الذی أطعمه المأمون، وبعد خروج المأمون ازدادت حالته الصحیة تدهوراً، وکان آخر ما تکلم به:( قُلْ لَوْ کُنْتُمْ فِی بُیُوتِکُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) ( وَکَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) .

ودخل علیه المأمون باکیاً، ثم مشى خلف جنازته حافیاً حاسراً یقول: (یا أخی لقد ثلم الإسلام بموتک وغلب القدر تقدیری فیک) وشق لحد هارون ودفنه بجنبه .

وقد رثاه دعبل الخزاعی قائلاً:

أرى أمیــــــــة معذورین إن قتلـــــوا ولا أرى لبنــی العبــاس مـن عـذر

أربـــــــع بطوس على قبر الزکی به  إن کنت تربع من دین على خـطــر

قبران فـــی طــوس خیر الناس کلّهم  وقبر شــرهم هــــذا مـــــن العبـــــر

ما ینفع الرجس من قرب الزکی وما  على الزکی بقرب الرجس من ضرر

وکانت شهادة الإمام الرضا(علیه السلام) فی آخر صفر سنة (٢٠٣ هـ) کما ذکر على ذلک أغلب الرواة والمؤرخین.

المصدر: