على أنّه تعالى يقول : (ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا باللَّهِ فإذا اُوذِيَ فياللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ ولَئنْ جاءَ نَصْرٌ مِن رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إنّا كُنّا مَعَكُمْ أوَلَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِما في صُدُورِ العالَمِينَ * ولَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الّذِينَ آمَنُوا ولَيعلَمَنَّ المُنافِقينَ)۱ .
والآيتان في سورة مكّيّة وهي سورة العنكبوت، وهما ناطقتان بوجود النفاق فيها ، ومع الغضّ عن كون السورة مكّيّة فاشتمال الآية على حديث الإيذاء في اللَّه والفتنة أصدق شاهد على نزول الآيتين بمكّة ، فلم يكن بالمدينة إيذاء في اللَّه وفتنة ، واشتمال الآية على قوله : (ولَئن جاءَ نَصْرٌ مِن رَبِّكَ...) إلخ لا يدلّ علَى النزول بالمدينة ، فللنصر مصاديق اُخرى غير الفتح المعجّل .
واحتمال أن يكون المراد بالفتنة ما وقعت بمكّة بعد الهجرة غير ضائر ؛ فإنّ هؤلاء المفتونين بمكّة بعد الهجرة إنّما كانوا من الذين آمنوا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله قبل الهجرة وإن اُوذوا بعدها .
وعلى مثل ذلك ينبغي أن يحمل قوله تعالى : (ومِنَ النّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ على حَرْفٍ فإن أصابَهُ خَيرٌ اطمَأنَّ بِهِ وإنْ أصابَتْهُ فِتنَةٌ انْقَلبَ على وَجْهِهِ)۲ إن كان المراد بالفتنة العذاب وإن كانت السورة مدنيّة» .۳