129
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

القويّ والضعيف أو الغنيّ والفقير على‏ حالهما - لا يزيدان كلّ يوم إلّا ابتعاداً - فلتدلّ التجربة الطويلة القطعيّة أنّه لا يدفع غائلاً ولا يغني طائلاً .
وثالثاً : أنّ للفرد من المسلمين أن يصرف ما عليه من الحقّ الماليّ الواجب كالزكاة مثلاً في بعض أرباب السهام كالفقير والمسكين من دون أن يؤدّيه إلى‏ وليّ الأمر أو عامله في‏الجملة فيردّه هو إلى‏ مستحقّيه ، وهذا نوع من الاحترام الاستقلاليّ الذي اعتبره الإسلام لأفراد مجتمعه نظير إعطاء الذمّة الذي لكلّ فرد من المسلمين أن يقوم به لمن شاء من الكفّار المحاربين وليس للمسلمين ولا لوليّ أمرهم أن ينقض ذلك .
نعم لوليّ الأمر - إذا رأى‏ في‏مورد أنّ مصلحة الإسلام والمسلمين في خلاف ذلك - أن ينهى‏ عن ذلك ، فيجب الكفّ عنه لوجوب طاعته» .۱

(انظر) الإسراف : باب 1791 .

3883 - مَن أنفَقَ فَلِنَفسِهِ‏

الكتاب :

(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) .۲

الحديث :

۲۰۶۶۶.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : كُلُّكُم مُكَلِّمٌ ربَّهُ يَومَ القِيامَةِ لَيس بَينَهُ وبَينَهُ تَرجُمانٌ ، فيَنظُرُ أمامَهُ فلا يَجِدُ إلّا ما قَدَّمَ ، ويَنظُرُ عن يَمينِهِ فلا يَجِدُ إلّا ما قَدَّمَ ، ثُمّ يَنظُرُ عن يَسارِهِ فإذا هُو بالنّارِ ، فاتَّقوا النّارَ ولَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، فإن لَم يَجِدْ أحَدُكُم فبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ .۳

۲۰۶۶۷.الترغيب والترهيب عن ابن مسعود : قال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله - لأصحابِهِ - : أيُّكُم مالُ وارِثهِ أحَبُّ إلَيهِ مِن مالِهِ ؟ قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، ما مِنّا أحدٌ إلّا مالُهُ أحَبُّ إلَيهِ مِن مالِ وارِثِهِ.
قالَ : فإنَّ مالَهُ ما قَدَّمَ ، ومالَ وارِثِهِ ما أخَّرَ .۴

1.الميزان في تفسير القرآن : ۹/۳۸۶.

2.البقرة : ۲۷۲ .

3.النوادر للراونديّ : ۸۶ / ۱۰ .

4.الترغيب والترهيب : ۲ / ۵۰ / ۸ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
128

والمخمصة العامّة التي لا تبقي ولا تذر .
وأمّا الوجوه الماليّة المتعلّقة بالنفوس أو الضياع والعقار أو الأموال التجاريّة عند حصول شرائط أو في أحوال خاصّة كالعُشر المأخوذ في الثغور ونحو ذلك ؛ فإنّ الإسلام لا يرى ذلك بل يعدّه نوعاً من الغصب وظلماً يوجب تحديداً في حرّيّة المالك في ملكه.
ففي الحقيقة لا يأخذ المجتمع من الفرد إلّا مال نفسه الذي يتعلّق بالغنيمة والفائدة عند أوّل حدوثه ويشارك الفرد في ملكه على نحو يبيّنه الفقه الإسلاميّ مشروحاً ، وأمّا إذا انعقد الملك واستقرّ لمالكه فلا اعتراض لمعترض على‏ مالك في حال أو عند شرط ، يوجب قصور يده وزوال حرّيّته .
وثانياً : أنّ الإسلام يعتبر حال الأفراد في الأموال الخاصّة بالمجتمع ، كما يعتبر حال المجتمع بل الغلبة فيما يظهر من نظره لحالهم على‏ حاله ، فإنّه يجعل السهام في الزكاة ثمانية لا يختص بسبيل اللَّه منها إلّا سهم واحد وباقي السهام للأفراد كالفقراء والمساكين والعاملين والمؤلّفة قلوبهم وغيرهم ، وفي الخمس ستّة لم يجعل للَّه سبحانه إلّا سهم واحد والباقي للرسول ولذي القربى واليتامى‏ والمساكين وابن السبيل .
وذلك أنّ الفرد هو العنصر الوحيد لتكوّن المجتمع ، ورفع اختلاف الطبقات الذي هو من اُصول برنامج الإسلام ، وإلقاء التعادل والتوازن بين قوَى المجتمع المختلفة ، وتثبيت الاعتدال في مسيره بأركانه وأجزائه ، لا يتمّ إلّا بإصلاح حال الأجزاء - أعني الأفراد - وتقريب أحوالهم بعضهم من بعض .
وأمّا قصر مال المجتمع في صرفه في إيجاد الشوكة العامّة والتزيينات المشتركة ورفع القصور المشيّدة العالية والأبنية الرفيعة الفاخرة ، وتخلية

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226218
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي