141
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

الحكم الوارد فيها بالمورد ؛ فإنّ المورد لا يخصِّص ، فإطلاق حكم الآية بالنسبة إلى‏ كلّ ما يسمّى‏ بالنفل في محلّه ، وهي تدلّ على‏ أنّ الأنفال جميعاً للَّه ولرسوله ، لا يشارك اللَّه ورسوله فيها أحد من المؤمنين سواء في ذلك الغنيمة والفي‏ء .
ثمّ الظاهر من قوله تعالى‏ : (قُلِ الأنْفالُ للَّهِ‏ِ والرَّسُولِ) وما يعظهم اللَّه به بعد هذه الجملة ويحرّضهم علَى الإيمان - هو أنّ اللَّه سبحانه فصل الخصومة بتشريع ملكها لنفسه ولرسوله ونزعها من أيديهم ، وهو يستدعي أن يكون تخاصمهم من جهة دعوى‏ طائفة منهم أنّ الأنفال لها خاصّة دون غيرها ، أو أنّها تختصّ بشي‏ء منها ، وإنكار الطائفة الاُخرى‏ ذلك ، ففصل اللَّه سبحانه خصومتهم فيها بسلب ملكهم منها وإثبات ملك نفسه ورسوله ، وموعظتهم أن يكفّوا عن المخاصمة والمشاجرة . وأمّا قول من يقول : إنّ الغزاة يملكون ما أخذوه من الغنيمة بالإجماع فأحرى‏ به أن يورد في الفقه دون التفسير .
وبالجملة : فنزاعهم في الأنفال يكشف عن سابق عهد لهم بأنّ الغنيمة لهم أو ما في معناه، غير أنّه كان حكماً مجملاً اختلف فيه المتخاصمان وكلٌ‏يجرّ النار إلى‏ قرصته، والآيات الكريمة تؤيّد ذلك.
توضيحه : أنّ ارتباط الآيات في السورة والتصريح بقصّة وقعة بدر فيهايكشف أنّ السورة بأجمعها نزلت حول وقعة بدر وبُعيدَها ؛ حتّى‏ أنّ ابن عبّاس - على‏ ما نقل عنه - كان يسمّيها سورة بدر . والتي تتعرّض لأمر الغنيمة من آياتها خمس آيات في مواضع ثلاثة من السورة ، هي بحسب ترتيب السورة : قوله تعالى : (يَسْألونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ للَّهِ‏ِ والرَّسُولِ ...) الآية ، وقوله تعالى‏ : (واعْلَمُوا أنَّ ما غَنِمْتُم مِن شَي‏ءٍ فأنّ للَّهِ‏ِ خُمُسَهُ ولِلرَّسولِ ولِذِي القُرْبى‏ واليَتامى‏ والمَساكِينِ وابنِ السَّبيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ باللَّهِ


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
140

المشهورة ، وقيل : بل مقدّرة في القراءة الشاذّة ، وقيل : إنّ المراد بالأنفال غنائم الحرب ، وقيل : غنائم غزوة بدر خاصّة بجعل اللام في‏الأنفال للعهد ، وقيل : الفي‏ء الذي للَّه والرسول والإمام ، وقيل : إنّ الآية منسوخة بآية الخمس، وقيل : بل محكمة. وقد طالت المشاجرة بينهم كما يعلم بالرجوع إلى‏ مطوّلات التفاسير ، كتفسيرَي الرازيّ والآلوسيّ وغيرهما .
والذي ينبغي أن يقال بالاستمداد من السياق : أنّ الآية بسياقها تدلّ على‏ أنّه كان بين هؤلاء المشار إليهم بقوله : (يَسْألونَكَ)تخاصم ، خاصم به بعضهم بعضاً بأخذ كلٍّ جانباً من القول لا يرضى‏ به خصمه . والتفريع الذي في قوله : (فَاتَّقوا اللَّهَ وأصْلِحوا ذاتَ بَينِكُم) يدلّ على‏ أنّ الخصومة كانت في أمر الأنفال ، ولازم ذلك أن يكون السؤال الواقع منهم المحكيّ في صدر الآية إنّما وقع لقطع الخصومة ، كأنّهم تخاصموا في أمر الأنفال ثمّ راجعوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يسألونه عن حكمها لتنقطع بما يجيبه الخصومة وترتفع عمّا بينهم .
وهذا - كما ترى‏ - يؤيّد أوّلاً القراءة المشهورة : (يَسْألونَكَ عَنِ الأنْفالِ) فإنّ السؤال إذا تعدّى‏ ب«عن» كان بمعنَى استعلام الحكم والخبر ، وأمّا إذا استعمل متعدّياً بنفسه كان بمعنَى الاستعطاف ، ولا يناسب المقام إلّا المعنَى الأوّل .
وثانياً : أنّ الأنفال بحسب المفهوم وإن كان يعمّ الغنيمة والفي‏ء جميعاً إلّا أنّ مورد الآية هي الأنفال بمعنى‏ غنائم الحرب لا غنائم غزوة بدر خاصّة ؛ إذ لا وجه للتخصيص فإنّهم إذ تخاصموا في غنائم بدر لم يتخاصموا فيها لأنّها غنائم بدر خاصّة ، بل لأنّها غنائم مأخوذة من أعداء الدين في جهاد دينيّ ، وهو ظاهر .
واختصاص الآية بحسب موردها بغنيمة الحرب لا يوجب تخصيص

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226998
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي