215
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

وكيف كان فالآية الكريمة ترتّب عمل الإنسان على‏ شاكلته بمعنى‏ أنّ العمل يناسبها ويوافقها ، فهي بالنسبة إلَى العمل كالرّوح السارية في البدن الّذي يمثّل بأعضائه وأعماله هيئات الروح المعنويّة . وقد تحقّق بالتجارب والبحث العلميّ أنّ بين المَلَكات والأحوال النفسانيّة وبين الأعمال رابطة خاصّة ، فليس يتساوى‏ عمل الشّجاع الباسل والجبان إذا حضرا موقفاً هائلاً ، ولا عمل الجواد الكريم والبخيل اللئيم في موارد الإنفاق وهكذا ، وأنّ بين الصفات النفسانيّة ونوع تركيب البنية الإنسانيّة رابطة خاصّة ، فمن الأمزجة ما يسرع إليه الغضب وحبّ الانتقام بالطّبع ، ومنها ما تغلي وتفور فيه شهوة الطعام أو النكاح أو غير ذلك بحيث تتوق نفسه بأدنى‏ سبب يدعوه ويحرّكه ، ومنها غير ذلك ، فيختلف انعقاد الملَكات بحسب ما يناسب المورد سرعة وبطءاً .
ومع ذلك كلِّه فليس يخرج دعوة المزاج المناسب لملَكة من الملكات أو عمل من الأعمال من حدّ الاقتضاء إلى‏ حدّ العِلّية التّامّة بحيث يخرج الفعل المخالف لمقتضَى الطبع عن الإمكان إلَى الاستحالة ويبطل الاختيار ، فالفعل باقٍ على‏ اختياريّته وإن كان في بعض الموارد صعباً غاية الصعوبة .
وكلامه سبحانه يؤيّد ما تقدّم على‏ ما يعطيه التدبّر ، فهو سبحانه القائل : (والبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بإذْنِ رَبِّهِ والّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلّا نَكِداً)۱، وانضمام الآية إلَى الآيات الدالّة على‏ عموم الدعوة - كقوله : (لِاُنذِرَكُم بهِ ومَنْ بَلَغَ)۲ - يفيد أنّ تأثير البنَى الإنسانيّة في الصّفات والأعمال على‏ نحو الاقتضاء دون العلّية التامّة كما هو ظاهر.
كيف ، وهو تعالى‏ يعدّ الدِّين فطريّاً تهتف به الخلقة الّتي لا تبديل لها ولا

1.الأعراف : ۵۸ .

2.الأنعام : ۱۹ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
214

قَولَهُ تعالى‏ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على‏ شاكِلَتِهِ) يَعني على‏ نِيَّتِهِ .۱

۲۰۹۸۸.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام : إنّ اللَّهَ يَحشُرُ النّاسَ على‏ نِيّاتِهِم يَومَ القِيامَةِ .۲

۲۰۹۸۹.تفسير القمّى : - في قولِهِ تعالى‏ : (قُلْ كُلٌّ يَعمَلُ على‏ شاكِلَتِهِ) - : على‏ نِيَّتِهِ (فَرَبُّكُم أعْلَمُ بمَنْ هُوَ أهْدى‏ سَبيلاً)، فإنّهُ حَدَّثَني أبي عن جعفرِ ابنِ إبراهيمَ عن أبي‏الحسنِ الرِّضا عليه السلام قالَ : إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ أوقَفَ المُؤمنَ بَينَ يَدَيهِ فَيكونُ هُوالّذي‏يَتَولّى‏ حِسابَهُ ، فَيعرِضُ علَيهِ عَمَلَهُ فَيَنظُرُ في صَحيفَتِهِ ، فأوَّلُ ما يَرى‏ سَيّئاتِهِ فيَتَغيَّرُ لذلكَ لَونُهُ ، وتَرتَعِشُ فَرائصُهُ ، وتَفزَعُ نَفسُهُ ، ثُمّ يَرى‏ حَسَناتِهِ‏فتَقَرُّ عَينُهُ،وتُسَرُّ نَفسُهُ،وتَفرَحُ رُوحُهُ ، ثُمّ يَنظُرُ إلى‏ ما أعطاهُ اللَّهُ مِن الثَّوابِ فيَشتَدُّ فَرَحُهُ .
ثُمّ يقولُ اللَّهُ للمَلائكةِ : هَلِمُّوا الصُّحُفَ الّتي فيها الأعمالُ الّتي لَم يَعمَلوها ! قالَ : فيَقرؤونَها ثُمّ يَقولونَ : وعِزَّتِكَ، إنّكَ لَتَعلَمُ أنّا لَم نَعمَلْ مِنها شَيئاً ! فيقولُ : صَدَقتُم ، نَوَيتُموها فكَتَبناها لَكُم ، ثُمّ يُثابُونَ علَيها .۳

التّفسير :

قوله تعالى‏ : (قُلْ كلٌّ يَعْمَلُ على‏ شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهْدى‏ سَبيلاً) المشاكلة - على‏ ما في «المفردات» - من الشَّكل وهو تقييد الدّابّة ، ويسمّى‏ ما يقيّد به شِكالاً بكسر الشّين . والشّاكلة هي السّجيّة ؛ سمّي بها لتقييدها الإنسان أن يجري على‏ ما يناسبها وتقتضيه .
وفي «المجمع» : الشّاكلة الطريقة والمذهب ، يقال : هذا طريق ذو شواكل أي ينشعب منه طرق جماعة ، انتهى‏ . وكأنّ تسميتهما بها لما فيها من تقييد العابرين والمنتحلين بالتزامهما وعدم التخلّف عنهما . وقيل : الشّاكلة من الشَّكل بفتح الشّين بمعنَى المِثل ، وقيل : إنّها من الشِّكل بكسر الشّين بمعنَى الهيئة .

1.وسائل الشيعة : ۱ / ۳۶ / ۵ .

2.المحاسن : ۱ / ۴۰۹ / ۹۲۹ .

3.تفسير القمّي : ۲ / ۲۶ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226842
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي