219
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

ذلك فقال : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على‏ شاكِلَتِهِ) ، أي أنّ أعمالكم تصدر على‏ طبق ما عندكم من الشاكلة والفِعليّة الموجودة ؛ فمن كانت عنده شاكلة عادلة سَهُل اهتداؤه إلى‏ كلمة الحقّ والعمل الصالح وانتفع بالدعوة الحقّة ، ومن كانت عنده شاكلة ظالمة صعب عليه التلبّس بالقول الحقّ والعمل الصّالح ولم يزد من استماع الدعوة الحقّة إلّا خساراً ، واللَّه الّذي هو ربّكم العليم بسرائركم المدبّر لأمركم أعلم بمن عنده شاكلة عادلة وهو أهدى‏ سبيلاً وأقرب إلَى الانتفاع بكلمة الحقّ ، والّذي علمه وأخبر به أنّ المؤمنين أهدى‏ سبيلاً فيختصّ بهم الشّفاء والرّحمة بالقرآن الّذي ينزله ، ولا يبقى‏ للكافرين أهل الظّلم إلّا مزيد الخسار إلّا أن ينتزعوا عن ظلمهم فينتفعوا به .
ومن هنا يظهر النكتة في التعبير بصيغة التفضيل في قوله : (أهْدَى‏ سَبيلاً)۱ وذلك لما تقدّم أنّ الشاكلة غير ملزمة في الدعوة إلى‏ ما يلائمها ، فالشّاكلة الظّالمة وإن كانت مضلّة داعية إلَى العمل الطالح غير أ نّها لا تحتّم الضلال ، ففيها أثر من الهدى‏ وإن كان ضعيفاً ، والشاكلة العادلة أهدى‏ منها ، فافهم .۲

(انظر) النفس : باب 3863 حديث 20569 .

3921 - دَورُ النِّيَّةِ فِي العَمَلِ‏

۲۰۹۹۰.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يا أيُّها النّاسُ، إنّما الأعمالُ بالنِّيّاتِ ، وإنّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوى‏ ، فمَن كانَت هِجرَتُهُ إلَى اللَّهِ ورَسولِهِ فهِجرَتُهُ إلَى اللَّهِ ورَسولِهِ ، ومَن كانَت هِجرَتُهُ إلى‏ دُنيا يُصيبُها أوِ امرأةٍ يَتَزَوَّجُها فهِجرَتُهُ إلى‏ ما هاجَرَ إلَيهِ .۳

20991.عنه صلى اللَّه عليه وآله - لَمّا أغزى‏ علِيّاً عليه السلام فيِ سَرِيَّةٍ ، فقالَ رجُلٌ لأخٍ لَهُ : اُغْزُ بِنا في سَرِيّةِ علِيٍّ لَعلَّنا نُصيبُ خادِماً أو دابَّةً أو

1.الإسراء : ۸۴ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۱۳ / ۱۸۹ .

3.كنز العمّال : ۷۲۷۲ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
218

والإنسان على‏ أيّ شاكلة متحصّلة وعلى‏ أيّ نعت نفسانيّ وفعليّة داخليّة روحيّة كان ، فإنّ عمله يجري عليها وأفعاله تمثّلها وتحكيها ، كما أنّ المتكبّر المختال يلوح حاله في تكلّمه وسكوته وقيامه وقعوده وحركته وسكونه ، والذليل المسكين ظاهر الذلّة والمسكنة في جميع أعماله ، وكذا الشّجاع والجبان والسخيّ والبخيل والصبور والوقور والعجول وهكذا ، وكيف لا ، والفعل يمثّل فاعله ، والظّاهر عنوان الباطن ، والصّورة دليل المعنى‏ .
وكلامه سبحانه يصدّق ذلك ويبني عليه حججه في موارد كثيرة ، كقوله تعالى‏ : (وما يَسْتَوي الأعْمى‏ والبَصيرُ * ولا الظُّلُماتُ ولا النُّورُ * ولا الظِّلُّ ولا الحَرورُ * وما يَسْتَوي الأحْياءُ ولا الأمْواتُ)۱ وقوله : (الخَبيثاتُ لِلخَبيثينَ والخَبيثونَ لِلخَبيثاتِ والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبينَ والطَّيِّبونَ لِلطَّيِّباتِ)۲ إلى‏ غير ذلك من الآيات الكثيرة .
وقوله تعالى‏ : (كُلٌّ يَعْمَلُ على‏ شاكِلَتِهِ)۳ محكم في معناه على‏ أيّ معنىً حملنا الشاكلة ، غير أنّ اتّصال الآية بقوله : (ونُنَزِّلُ مِنَ القرآنِ ما هُو شِفاءٌ و رَحْمَةٌ لِلمُؤمنينَ ولا يَزيدُ الظّالِمينَ إلّا خَساراً)۴ ، ووقوعها في سياق أنّ اللَّه سبحانه يربح المؤمنين ويشفيهم بالقرآن الكريم والدعوة الحقّة ويخسر به الظالمين لظلمهم ، يقرّب كون المراد بالشاكلة الشاكلة بالمعنَى الثّاني ؛ وهي الشخصيّة الخلقيّة الحاصلة للإنسان من مجموع غرائزه والعوامل الخارجيّة الفاعلة فيه .
كأ نّه تعالى‏ لمّا ذكر استفادة المؤمنين من كلامه الشفاء والرحمة وحرمان الظالمين من ذلك وزيادتهم في خسارهم ، اعترضه معترض في هذه التّفرقة ، وأ نّه لو سوّى‏ بين الفريقين في الشفاء والرحمة كان ذلك أوفى‏ لغرض الرسالة وأنفع لحال الدعوة ، فأمر رسوله صلى اللَّه عليه وآله أن يجيبهم في

1.فاطر : ۱۹ - ۲۲ .

2.النور : ۲۶ .

3.الإسراء : ۸۴ .

4.الإسراء : ۸۲ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226248
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي