225
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

ويحكم عليها ، ولا تستقرّ فيه محبّتان غالبتان ، كما قال اللَّه عَزَّوجلَّ : يا عيسى‏، لا يصلح لسانان في فم واحد ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الأذهان‏۱ ، وقال سبحانه : (ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَينِ في جَوْفِهِ)۲ .
فالدّنيا والآخرة ضَرّتان لا يجتمع حبّهما في قلب ، فمن استولى‏ على‏ قلبه حبّ المال لا يذهب فكره وخياله وقواه وجوارحه إلّا إليه ، ولا يعمل عملاً إلّا ومقصوده الحقيقيّ فيه تحصيله ، وإن ادّعى غيرَه كان كاذباً ، ولذا يطلب الأعمال الّتي وعد فيها كثرة المال ولا يتوجّه إلَى الطّاعات الّتي وعد فيها قرب ذي الجلال ، وكذا من استولى‏ عليه حبّ الجاه ليس مقصوده في أعماله إلّا ما يوجب حصوله ، وكذا سائر الأغراض الباطلة الدنيويّة ، فلا يخلص العمل للَّه سبحانه وللآخرة إلّا بإخراج حبّ هذه الاُمور من القلب ، وتصفيته عمّا يوجب البعد عن الحقّ .
فللنّاس في نيّاتهم مراتب شتّى‏ ، بل غير متناهية بحسب حالاتهم ؛ فمنها ما يوجب فساد العمل وبطلانه ، ومنها ما يوجب صحّته ، ومنها ما يوجب كماله ، ومراتب كماله أيضاً كثيرة .۳

3925 - الحَثُّ عَلَى النِّيَّةِ الصّالحَة في كُلِّ شَي‏ءٍ

۲۱۰۲۷.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يا أبا ذرٍّ ، لِيَكُن لَكَ في كُلِّ شَي‏ءٍ نِيَّةٌ صالِحَةٌ ، حتّى‏ في النَّومِ والأكلِ .۴

۲۱۰۲۸.الإمامُ عليٌّ عليه السلام- مِن كِتابِهِ للأشتَرِ لَمّا وَلّاهُ مِصرَ -: وأمْضِ لكُلِّ يَومٍ عَمَلَهُ ؛ فإنّ لكُلِّ يَومٍ ما فيهِ ، واجعَلْ لِنَفسِكَ فيما بَينَكَ وبَينَ اللَّهِ أفضَلَ تِلكَ المَواقيتِ ، وأجزَلَ تِلكَ الأقسامِ ، وإن كانَت كُلُّها للَّهِ إذا صَلُحَت فيها النِّيَّةُ ، وسَلِمَت مِنها الرَّعيَّةُ .۵

1.راجع الكافي : ۲ / ۳۴۳ / ۳ .

2.الأحزاب : ۴ .

3.بحار الأنوار : ۷۰ / ۱۹۳ .

4.مكارم الأخلاق : ۲ / ۳۷۰ / ۲۶۶۱ .

5.نهج البلاغة : الكتاب ۵۳ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
224

۲۱۰۲۴.الإمامُ الباقرُ عليه السلام : نِيَّةُ المُؤمنِ أفضَلُ مِن عَمَلِهِ ؛ وذلكَ لأ نّهُ يَنوي مِن الخَيرِ ما لا يُدرِكُهُ ، ونِيَّةُ الكافِرِ شَرٌّ مِن عَمَلِهِ ؛ وذلكَ لأنَّ الكافِرَ يَنوي الشَّرَّ ويأمَلُ مِن الشَّرِّ ما لا يُدرِكُهُ .۱

۲۱۰۲۵.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام- في الجَوابِ عَن عِلَّةِ فَضلِ نِيَّةِ المُؤمنِ على‏ عَملِهِ -: لأنَّ العَمَلَ رُبَّما كانَ‏رِياءً لِلمَخلوقينَ، والنِّيَّةُ خالِصَةٌ لرَبِّ العالَمينَ، فيُعطي تَعالى‏ علَى النِّيَّةِ ما لا يُعطي علَى العَمَلِ .۲

۲۱۰۲۶.بحار الأنوار عن العالِم عليه السلام- في تفسيرِ نِيَّةِ المُؤمنِ خَيرٌ -: إنّهُ رُبَّما انتَهَت بالإنسانِ حالَةٌ مِن مَرَضٍ أو خَوفٍ ، فتُفارِقُهُ الأعمالُ ومَعَهُ نِيَّتُهُ ، فلِذلكَ الوَقتِ نِيَّةُ المُؤمنِ خَيرٌ مِن عَمَلِهِ .
وفي وَجهٍ آخَرَ أ نّها لا يُفارِقُهُ عَقلُهُ أو نَفسُهُ ، والأعمالُ قَد يُفارِقُهُ قَبلَ مُفارَقَةِ العَقلِ والنَّفسِ .۳

بيان :

في بحار الأنوار بعد ذكر وجوه في تفسير قوله عليه السلام : «نِيَّةُ المُؤمنِ خَيرٌ مِن عَمَلِهِ» ما نصّه : وبعدما أحطت خُبراً بما ذكرناه نذكر ما هو أقوى‏ عندنا بعد الإعراض عن الفضول ، وهو الحقّ الحقيق بالقبول .
فاعلم أنّ الإشكالات النّاشئة من هذا الخبر إنّما هو لعدم تحقيق معنَى النّيّة ، وتوهّم أنّها تَصوُّر الغرض والغاية وإخطارها بالبال . وإذا حقّقتها - كما أومأنا إليه سابقاً - عرفت أنّ تصحيح النّيّة من أشقّ الأعمال وأحمزها ، وأ نّها تابعة للحالة الّتي النّفس متّصفة بها . وكمال الأعمال وقبولها وفضلها منوط بها ، ولايتيسّر تصحيحها إلّا بإخراج حُبّ الدّنيا وفخرها وعزّها من القلب ، برياضات شاقّة ، وتفكّرات صحيحة، ومجاهدات كثيرة ؛ فإنّ القلب سلطان البدن ، وكلّما استولى‏ عليه يتبعه سائر الجوارح ، بل هو الحصن الّذي كلّ حُبّ استولى‏ عليه وتصرّف فيه يستخدم سائر الجوارح والقوى‏ ،

1.علل الشرائع : ۵۲۴ / ۲ .

2.علل الشرائع : ۵۲۴ / ۱ .

3.بحار الأنوار : ۷۰ / ۲۱۰ / ۳۱ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226314
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي