259
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

إلَى التوحيد وطاعة الرسول ، وقد أتى‏ فرعون بعد استماع كلمة الدعوة بما حاصله التغافل عن كونه تعالى‏ ربّاً له ، وحمل كلامهما على‏ دعوتهما له إلى‏ ربّهما ، فسأل : من ربّكما ؟ فكان من الحريّ أن يجاب بأنّ ربّنا هو ربّ العالمين ليشملهما وإيّاه وغيرهم جميعاً ، فاُجيب بما هو أبلغ من ذلك فقيل : (ربُّنا الّذِي أعْطى‏ كُلَّ شيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏) ، فاُجيب بأ نّه ربّ كلّ شي‏ء ، واُفيد مع ذلك البرهان على‏ هذا المدّعى‏ ، ولو قيل : ربّنا ربّ العالمين أفاد المدّعى فحسب دون البرهان ، فافهم ذلك .
وإنّما اُثبت في الكلام الهداية دون التدبير مع كون موردهما متّحداً - كما تقدّمت الإشارة إليه - لأنّ المقام مقام الدعوة والهداية ، والهداية العامّة أشدّ مناسبة له .۱

الحديث :

۲۱۱۳۷.الإمامُ عليٌّ عليه السلام : أيُّها المَخلوقُ السَّوِيُّ ، والمُنشأُ المَرعِيُّ ، في ظُلُماتِ الأرحامِ ... ثُمّ اُخرِجتَ مَن مَقَرِّكَ إلى‏ دارٍ لَم تَشهَدْها ، ولَم تَعرِفْ سُبُلَ مَنافِعِها ، فمَن هَداكَ لاجتِرارِ الغِذاءِ مِن ثَديِ اُمِّكَ ، وعَرَّفَكَ عِندَ الحاجَةِ مَواضِعَ طَلَبِكَ وإرادَتِكَ ؟!۲

۲۱۱۳۸.الإمامُ الرِّضا عليه السلام- لَمّا سُئل عَن قولِهِ تعالى‏ :(اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرضِ)-: هادٍ لأهلِ السَّماء ، وهادٍ لأهلِ الأرضِ .۳

3939 - هِدايَةُ الإنسانِ الهِدايَةَ العامَّةَ

الكتاب :

(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وإِمَّا كَفُوراً) .۴

(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) .۵

الحديث :

۲۱۱۳۹.الإمامُ عليٌّ عليه السلام : أفضَلُ الذُّخرِ الهُدى‏ .۶

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۴ / ۱۶۶ .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۳ .

3.بحار الأنوار: ۴/۱۵/۱.

4.الإنسان : ۳ .

5.البلد : ۱۰ .

6.غرر الحكم : ۲۸۹۱ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
258

هُديت وسُيّرت بما جُهّزت به من القوى‏ والأعضاء نحو مطلوبها ؛ وهو غاية الوجود الإنسانيّ والكمال الأخير الذي يختصّ به هذا النوع .
ومن هنا يظهر معنى‏ عطف قوله : (هَدى‏) على‏ قوله : (أعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ) ب «ثُمّ» وأنّ المراد التأخّر الرتبيّ ، فإنّ سير الشي‏ء وحركته بعد وجوده رتبة ، وهذا التأخّر في الموجودات الجسمانيّة تدريجيّ زمانيّ بنحو .
وظهر أيضاً أنّ المراد بالهداية الهداية العامّة الشاملة لكلّ شي‏ء دون الهداية الخاصّة بالإنسان ، وذلك بتحليل الهداية الخاصّة وتعميمها بإلقاء الخصوصيّات ؛ فإنّ حقيقة هداية الإنسان بإراءته الطريق الموصل إلَى المطلوب ، والطريق رابطة القاصد بمطلوبه ، فكلّ شي‏ء جهّز بما يربطه بشي‏ء ويحرّكه نحوه فقد هدي إلى‏ ذلك الشي‏ء ، فكلّ شي‏ء مهديّ نحو كماله بما جهّز به من تجهيز ، واللَّه سبحانه هوالهادي .
فنظام الفعل والانفعال في الأشياء - وإن شئت فقل : النظام الجزئيّ الخاصّ بكلّ شي‏ء ، والنظام العامّ الجامع لجميع الأنظمة الجزئيّة من حيث ارتباط أجزائها وانتقال الأشياء من جزء منها إلى‏ جزء - مصداق هدايته تعالى‏ ، وذلك بعناية اُخرى‏ مصداق لتدبيره . ومعلوم أنّ التدبير ينتهي إلَى الخلق بمعنى‏ أنّ الذي ينتهي وينتسب إليه تدبير الأشياء هو الذي أوجد نفس الأشياء فكلّ وجود أو صفة وجود ينتهي إليه ويقوم به .
فقد تبيّن أنّ الكلام - أعني قوله : (الّذِي أعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏) - مشتمل علَى البرهان على‏ كونه تعالى‏ ربّ كلّ شي‏ء لا ربّ غيره ؛ فإنّ خلقه الأشياء وإيجاده لها يستلزم ملكه لوجوداتها - لقيامها به - وملك تدبير أمرها .
وعند هذا يظهر : أنّ الكلام على‏ نظمه الطبيعيّ ، والسياق جارٍ على‏ مقتضَى المقام ؛ فإنّ المقام مقام الدعوة

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226178
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي