323
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

أنّ المال - وخاصّة لو كان ممّا لا يد عليه - يحنّ إليه الإنسان ويتوق إليه نفسه لصرفه في حوائجه وحيازته ، وخاصّة فيما لا مانع عنه من دؤوبه الأوّليّة القديمة . والإنسان في ما كوّنه من مجتمعه همجيّاً أو مدنيّاً لايستغني عن اعتبار القرب والولاية (المنتجَين للأقربيّة والأولويّة) بين أفراد المجتمع الاعتبار الذي عليه المدار في تشكّل البيت والبطن والعشيرة والقبيلة ونحو ذلك ، فلا مناص في المجتمع من كون بعض الأفراد أولى‏ ببعض ، كالولد بوالدَيه ، والرَّحم برحمه ، والصديق بصديقه ، والمولى‏ بعبده ، وأحد الزوجَين بالآخر ، والرئيس بمرؤوسه حتَّى القويّ بِالضعيف ، وإن اختلفت المجتمعات في تشخيص ذلك اختلافاً شديداً يكاد لا تناله يد الضبط .
ولازم هذَين الأمرَين كون الإرث دائراً بينهم من أقدم العهود الاجتماعيّة .

2 - تحوّل الإرث تدريجيّاً :

لم تزل هذه السنّة كسائر السُّنن الجارية في المجتمعات الإنسانيّة تتحوّل من حال إلى‏ حال وتلعب به يد التطوّر والتكامل منذ أوّل ظهورها ، غير أنّ الاُمم الهمجيّة لمّا لم تستقرّ على‏ حال منتظم تعسّر الحصول في تواريخهم على‏ تحوّله المنتظم حصولاً يفيد وثوقاً به . والقدر المتيقّن من أمرهم أ نّهم كانوا يحرمون النساء والضعفاء الإرث وإنّما كان يختصّ بالأقوياء، وليس إلّا لأ نّهم كانوا يعاملون مع النساء والضعفاء من العبيد والصغار معاملة الحيوان المسخّر والسلع والأمتعة التي ليس لها إلّا أن ينتفع بها الإنسان ، دون أن تنتفع هي بالإنسان وما في يده ، أو تستفيد من الحقوق الاجتماعيّة التي لا تتجاوز النوع الإنسانيّ .
ومع ذلك كان يختلف مصداق القويّ في هذا الباب برهة بعد برهة ، فتارةً مصداقه رئيس الطائفة أو


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
322

۲۱۵۶۶.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام- لَمّا سُئلَ عن عِلَّةِ إعطاءِ الذَّكَرِ مِثلَ حَظِّ الاُنثَيَينِ -: إنّ المرأةَ لَيسَ علَيها جِهادٌ ولا نَفَقَةٌ ولامَعقُلَةٌ ۱، وإنّما ذلكَ علَى الرِّجالِ .۲

۲۱۵۶۷.عنه عليه السلام- أيضاً -: لِما جُعِلَ لَها مِن الصَّداقِ .۳

۲۱۵۶۸.الإمامُ الرِّضا عليه السلام- أيضاً -: عِلَّةُ إعطاءِ النِّساءِ نِصفَ ما يُعطَى الرِّجالُ مِن المِيراثِ لأنَّ المرأةَ إذا تَزَوَّجَت أخَذَت والرّجُلُ يُعطي ، فلِذلكَ وُفِّرَ علَى الرِّجالِ . وعِلَّةٌ اُخرى‏ في إعطاءِ الذَّكَرِ مِثلَي ما يُعطَى الاُنثى‏ ، لِأنَّ الاُنثى‏ في عِيالِ الذَّكَرِ إنِ احتاجَت ، وعلَيهِ أن يَعُولَها وعلَيهِ نَفَقَتُها ، ولَيسَ علَى المَرأةِ أن تَعُولَ الرَّجُلَ ، ولا يُؤخَذُ بنَفَقَتِهِ إنِ احتاجَ ، فوَفَّرَ اللَّهُ تعالى‏ علَى الرِّجالِ لِذلكَ ، وذلكَ قَولُ اللَّهِ عزّوجلّ : (الرِّجالُ قَوّامُونَ علَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على‏ بَعْضٍ وبِما أنفَقوا مِن أمْوالِهِم)۴ . ۵

۲۱۵۶۹.الكافي عن إسحاق بن محمّد النخعي عن الإمام العسكريِّ عليه السلام- أيضاً -: إنّ المَرأةَ لَيس علَيها جِهادٌ ولا نَفَقَةٌ ، ولا علَيها مَعقُلَةٌ ، إنّما ذلكَ علَى الرِّجالِ .
فقلتُ في نَفسي : قَد كانَ قيلَ لي : إنّ ابنَ أبي العَوجاءِ سألَ أبا عبدِ اللَّهِ عليه السلام عَن هذهِ المَسألَةِ فأجابَهُ بهذا الجَوابِ ، فأقبَلَ أبو محمّدٍ عليه السلام علَيَّ فقالَ : نَعَم، هذهِ المَسألَةُ مَسألَةُ ابنِ أبي العَوجاءِ ! والجَوابُ مِنّا واحِدٌ !۶

بحث علميّ في فصول :

1 - ظهور الإرث :

كأنّ الإرث - أعني تملّك بعض الأحياء المالَ الذي تركه الميّت - من أقدم السُّنن الدائرة في المجتمع الإنسانيّ . وقد خرج عن وسع ما بأيدينا من تواريخ الاُمم والملل الحصول على‏ مبدأ حصوله ، ومن طبيعة الأمر أيضاً ذلك ، فإنّا نعلم بِالتأمّل في طبيعة الإنسان الاجتماعيّة

1.العاقلة : الدِّية (النهاية : ۳/۲۸۷) . أي لا تصير عاقلة في دية الخطأ. (كما في هامش المصدر) .

2.الكافي : ۷/۸۵/۳ .

3.علل الشرائع : ۵۷۰/۲ .

4.النساء : ۳۴ .

5.عيون أخبار الرضا : ۲/۹۸/۱ .

6.الكافي : ۷/۸۵/۲ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 233681
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي