325
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

ذلك وورثه الأبناء ، فإن انفصلوا وأسّسوا بيوتاً جديدة كانوا أربابها ، وإن بقوا في بيتهم القديم كان نسبتهم إلَى الربّ الجديد (أخيهم مثلاً) هي النسبة السابقة إلى‏ أبيهم ؛ من الورود تحت قيمومته و ولايته المطلقة.
وكذا كان يرثه الأدعياء ؛ لأنّ الادّعاء والتبنّي كان دائراً عندهم كما بين العرب في الجاهليّة .
وأمّا النساء كالزوجة والبنت والاُمّ فلم يكنّ يرثن؛ لئلّا ينتقل مال البيت بانتقالهنّ إلى‏ بيوت اُخرى بالازدواج ، فإنّهم ما كانوا يرون جواز انتقال الثروة من بيت إلى‏ آخر ، وهذا هو الذي ربّما ذكره بعضهم فقال : إنّهم كانوا يقولون بِالمِلكيّة الاشتراكيّة الاجتماعيّة دون الانفراديّة الفرديّة . وأظنّ أنّ مأخذه شي‏ء آخر غير المِلك الاشتراكيّ ؛ فإنّ الأقوام الهمجيّة المتوحّشة أيضاً من أقدم الأزمنة كانوا يمتنعون من مشاركة غيرهم من الطوائف البدويّة فيما حازوه من المراعي والأراضي الخصبة وحمَوه لأنفسهم ، وكانوا يحاربون عليه ويدفعون عن محميّاتهم . وهذا نوع من المِلك العامّ الاجتماعيّ الذي مالكه هيئة المجتمع الإنسانيّ دون أفراده ، وهو مع ذلك لا ينفي أن يملك كلّ فرد من المجتمع شيئاً من هذا الملك العامّ اختصاصاً .
وهذا ملك صحيح الاعتبار ، غير أ نّهم ما كانوا يحسنون تعديل أمره والاستدرار منه ، وقد احترمه الإسلام كما ذكرناه فيما تقدّم ، قال تعالى‏ : (خَلَقَ لَكُمْ ما في الأرْضِ جَميعاً)۱ ، فالمجتمع الإنسانيّ - وهو المجتمع الإسلاميّ ومن هو تحت ذمّته - هو المالك لثروة الأرض بهذا المعنى‏ ، ثمّ المجتمع الإسلاميّ هو المالك لما في يده من الثروة ، ولذلك لا يرَى الإسلام إرث الكافر من المسلم . ولهذا النظر آثار ونماذج في بعض الملل الحاضرة ؛ حيث لايرون جواز تملّك الأجانب شيئاً من الأراضي والأموال

1.البقرة : ۲۹ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
324

العشيرة ، وتارةً رئيس البيت ، وتارة اُخرى أشجع القوم وأشدّهم بأساً ، وكان ذلك يوجب طبعاً تغيّر سنّة الإرث تغيّراً جوهريّاً .
ولكون هذه السنن الجارية لا تضمن ما تقترحه الفطرة الإنسانيّة من السعادة المقترحة كان يسرع إليها التغيّر والتبدّل ، حتّى‏ إنّ الملل المتمدّنة التي كان يحكم بينهم القوانين أو ما يجري مجراها من السنن المعتادة المِلّيّة كان شأنهم ذلك كالروم واليونان ، وما عمّر قانون من قوانين الإرث الدائرة بين الاُمم حتَّى اليوم مثل ما عمّرت سنّة الإرث الإسلاميّة ؛ فقد حكمت في الاُمم الإسلاميّة منذ أوّل ظهورها إلَى اليوم ما يقرب من أربعة عشر قرناً .

3 - الوراثة بين الاُمم المتمدّنة :

من خواصّ الروم أ نّهم كانوا يرَون للبيت في نفسه استقلالاً مدنيّاً يفصله عن المجتمع العامّ ، ويصونه عن نفوذ الحكومة العامّة في جلّ مايرتبط بأفراده من الحقوق الاجتماعيّة ، فكان يستقلّ في الأمر والنهي والجزاء والسياسة ونحو ذلك .
وكان ربّ البيت هو معبوداً لأهله من زوجة وأولاد وعبيد ؛ وكان هو المالك من بينهم ولا يملك دونه أحد مادام أحدَ أفراد البيت ؛ وكان هو الوليّ عليهم القيّم بأمرهم باختياره المطلق النافذ فيهم ؛ وكان هو يعبد ربّ البيت السابق من أسلافه .
وإذا كان هناك مال يرثه البيت - كما إذا مات بعض الأبناء فيما ملكه بإذن ربّ البيت اكتساباً ، أو بعض البنات فيما ملكته بالازدواج صَداقاً وأذِن لها ربّ البيت أو بعض الأقارب - فإنّما كان يرثه ربّ البيت ؛ لأ نّه مقتضى‏ ربوبيّته وملكه المطلق للبيت وأهله .
وإذا مات ربّ البيت فإنّما كان يرثه أحد أبنائه أو إخوانه ممّن في وسعه

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 233722
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي