327
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

النساء إلَى الزوج ربّما قامت مقام الابن بالادّعاء وترث كما يرث الابن والدعيّ بِالسويّة ، وكانت تحرم بقيّة الزوجات . والبنت المزوّجة لاترث حذراً من انتقال المال إلى خارج البيت ، والتي لم تزوّج بعد ترث نصف سهم الابن ؛ فكانت الزوجات غير الكبيرة والبنت المزوّجة محرومات ، وكانت الزوجة الكبيرة والابن والدعيّ والبنت غير المزوّجة بعد مرزوقين .
وأمّا العرب فقد كانوا يحرمون النساء مطلقاً والصغار من البنين ، ويمتّعون أرشد الأولاد ممّن يركب الفرس ويدفع عن الحرمة ، فإن لم يكن فالعصبة .
هذا حال الدنيا يوم نزلت آيات الإرث ، ذكرها وتعرّض لها كثير من تواريخ آداب الملل ورسومهم والرحلات وكتب الحقوق وأمثالها ، من أراد الاطّلاع على‏ تفاصيل القول أمكنه أن يراجعها .
وقد تلخّص من جميع ما مرّ أنّ السنّة كانت قد استقرّت في الدنيا يومئذ على‏ حرمان النساء بعنوان أ نّهنّ زوجة أو اُمّ أو بنت أو اُخت إلّا بعناوين اُخرى مختلفة ، وعلى‏ حرمان الصغار والأيتام إلّا في بعض الموارد تحت عنوان الولاية والقيمومة الدائمة غير المنقطعة .

4 - ماذا صنع الإسلام والظرف هذا الظرف؟

قد تقدّم مراراً أنّ الإسلام يرى‏ أنّ الأساس الحقّ للأحكام والقوانين الإنسانيّة هو الفطرة التي فُطر الناس عليها ولا تبديل لخلق اللَّه ، وقد بُني الإرث على‏ أساس الرَّحم التي هي من الفطرة والخلقة الثابتة . وقد ألغى إرث الأدعياء ، حيث يقول تعالى : (وما جَعَلَ أدْعِياءكُمْ أبْناءكُم ذلكُم قَوْلُكُم بِأفواهِكُمْ واللَّهُ يَقولُ الحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبيلَ * ادعُوهُمْ لِآبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءهُمْ فإخْوانُكُمْ


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
326

غير المنقولة من أوطانهم ونحو ذلك .
ولمّا كان البيت في الروم القديم ذا استقلال وتمام في نفسه كان قد استقرّ فيه هذه العادة القديمة المستقرّة في الطوائف والممالك المستقلّة .
و كان قد أنتج استقرار هذه العادّة أو السنّة في بيوت الروم - مع سنّتهم في التزويج من منع الازدواج بِالمحارم - أنّ القرابة انقسمت عندهم قسمَين ، أحدهما: القرابة الطبيعيّة ، وهي الاشتراك في الدم ، وكان لازمها منع الازدواج في المحارم وجوازه في غيرهم . والثاني : القرابة الرسميّة ، وهي القانونيّة ، ولازمها الإرث وعدمه والنفقة والولاية وغير ذلك ، فكان الأبناء أقرباء ذوي قرابة طبيعيّة ورسميّة معاً بِالنسبة إلى‏ ربّ البيت ورئيسه وفيما بينهم أنفسهم ، وكانت النساء جميعاً ذوات قرابة طبيعيّة لارسميّة ؛ فكانت المرأة لا ترث والدها ولا ولدها ولا أخاها ولا بعلها ولا غيرهم . هذه سنّة الروم القديم .
وأمّا اليونان فكان وضعهم القديم في تشكّل البيوت قريباً من وضع الروم القديم ، وكان الميراث فيهم يرثه أرشد الأولاد الذكور ، ويُحرم النساء جميعاً من زوجة وبنت واُخت ، ويُحرم صغار الأولاد وغيرهم ، غير أ نّهم كالروميّين ربّما كانوا يحتالون لإيراث الصغار من أبنائهم ومن أحبّوها وأشفقوا عليها من زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم بحيل متفرّقة تسهّل الطريق لإمتاعهنّ بشي‏ء من الميراث قليل أو كثير بوصيّة أو نحوها ، وسيجي‏ء الكلام في أمر الوصيّة .
وأمّا الهند ومصر والصين فكان أمر الميراث - في حرمان النساء منه مطلقاً ، وحرمان ضعفاء الأولاد أو بقاؤهم تحت الولاية والقيمومة - قريباً ممّا تقدّم من سنّة الروم واليونان .
وأمّا الفارس فإنّهم كانوا يرون نكاح المحارم وتعدّد الزوجات ، كما تقدّم ، ويرون التبنّي . وكانت أحبّ

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 227159
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي