329
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

وأصل اختلاف الذكر والاُنثى‏ في نحو وجود القرائح الناشئة عن الاختلاف في تجهيزهما بِالتعقّل والإحساسات ؛ فالرجل بحسب طبعه إنسان التعقّل ، كما أنّ المرأة مظهر العواطف والإحساسات اللطيفة الرقيقة . وهذا الفرق مؤثّر في حياتيهما التأثير البارز في تدبير المال المملوك وصرفه في الحوائج . وهذا الأصل هو الموجب للاختلاف في السهام في الرجل والمرأة وإن وقعا في طبقة واحدة كالابن والبنت ، والأخ والاُخت في الجملة ، على‏ ما سنبيّنه .
واستنتج من الأصل الأوّل ترتّب الطبقات بحسب القرب والبعد من الميّت لفقدان الوسائط وقلّتها وكثرتها ؛ فالطبقة الاُولى‏ هي التي تتقرّب من الميّت بلا واسطة ، وهي الابن والبنت والأب والاُمّ ، والثانية الأخ والاُخت والجدّ والجدّة وهي تتقرّب من الميّت بواسطة وهي الأب أو الاُمّ أوهما معاً ، والثالثة العمّ والعمّة والخال والخالة ، وهي تتقرّب إلَى الميّت بواسطَتين وهما أب الميّت أو اُمّه وجدّه أو جدّته ، وعلى‏ هذا القياس . والأولاد في كلّ طبقة يقومون مقام آبائهم ويمنعون الطبقة اللاحقة، وروعي حال الزوجين لاختلاط دمائهما بِالزواج مع جميع الطبقات ؛ فلا يمنعهما طبقة ولايمنعان طبقة .
ثمّ استنتج من الأصل الثاني اختلاف الذكر والاُنثى‏ في غير الاُمّ والكَلالة المتقرّبة بالاُمّ بأنّ للذكر مثل حظّ الاُنثيين .
والسِّهام الستّة المفروضة في الإسلام (النصف والثلثان والثلث والربع والسدس والثمن) وإن اختلفت ، وكذا المال الذي ينتهي إلى‏ أحد الورّاث وإن تخلّف عن فريضته غالباً بِالردّ أو النقص الوارد ، وكذا الأب والاُمّ وكلالة الاُمّ وإن تخلّفت فرائضهم عن قاعدة «لِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الاُنثَيَينِ» - ولذلك يعسر البحث الكلّيّ الجامع في باب الإرث - إلّا أنّ الجميع


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
328

فِي الدِّينِ ومَوالِيكُم)1 .
ثمّ أخرج الوصيّة من تحت عنوان الإرث وأفردها عنواناً مستقلّاً يعطى‏ به ويؤخذ ، وإن كانوا يسمّون التملّك من جهة الإيصاء إرثاً . وليس ذلك مجرّد اختلاف في التسمية ؛ فإنّ لكلّ من الوصيّة والإرث مِلاكاً آخر وأصلاً فطريّاً مستقلّاً ، فملاك الإرث هو الرَّحم ولانفوذ لإرادة المتوفّى‏ فيها أصلاً ، ومِلاك الوصيّة نفوذ إرادة المتوفّى‏ بعد وفاته (وإن شئت قل : حينمايوصي) فيما يملكه في حياته واحترام مشيّته ، فلو اُدخلت الوصيّة في الإرث لم يكن ذلك إلّا مجرّد تسمية .
وأمّا ما كان يسمّيها الناس كالروم القديم مثلاً إرثاً فلم يكن لاعتبارهم في سنّة الإرث أحد الأمرَين : إمّا الرحم وإمّا احترام إرادة الميّت ، بل حقيقة الأمر أ نّهم كانوا يبنون الإرث علَى احترام الإرادة وهي إرادة الميّت بقاءَ المال الموروث في البيت الذي كان فيه تحت يد رئيس البيت وربّه ، أو إرادته انتقاله بعد الموت إلى‏ من يحبّه الميّت ويشفق عليه ، فكان الإرث على‏ أيّ حال يبتني علَى احترام الإرادة . ولو كان مبتنياً على‏ أصل الرحم واشتراك الدم لَرُزق من المال كثير من المحرومين منه ، وحُرم كثير من المرزوقين .
ثمّ إنّه بعد ذلك عمد إلَى الإرث ، وعنده في ذلك أصلان جوهريّان :
أصل الرَّحم ، وهو العنصر المشترك بين الإنسان وأقربائه لا يختلف فيه الذكور والإناث والكبار والصغار حتَّى الأجنّة في بطون اُمّهاتهم وإن كان مختلف الأثر في التقدّم والتأخّر، ومنع البعض للبعض من جهة قوّته وضعفه بِالقرب من الإنسان والبعد منه وانتفاء الوسائط وتحقّقها قليلاً أو كثيراً كالولد والأخ والعمّ . وهذا الأصل يقضي باستحقاق أصل الإرث مع حفظ الطبقات المتقدّمة والمتأخّرة .

1.الأحزاب : ۴ ، ۵ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 227117
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي