333
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

ماسنّه شارع الإسلام إليها والقضاء بما يجب أن يقضى‏ به .
والفرق الجوهريّ بين السنّة الإسلاميّة والسنن غيرها في الغاية والغرض ، فغرض الإسلام أن تنال الدنيا صلاحها ، وغرض غيره أن تنال ماتشتهيها . وعلى‏ هذين الأصلين يتفرّع ما يتفرّع من الفروع ، قال تعالى‏ : (وَعَسى‏ أن تَكْرَهُوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسى‏ أنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأنْتُم لاتَعْلَمونَ)۱ ، وقال تعالى‏ : (وعاشِروهُنَّ بالمَعْروفِ فإنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فعَسى‏ أن تَكْرَهُوا شَيئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيْراً كثيراً)۲ .

8 - الوصيّة :

قد تقدّم أنّ الإسلام أخرج الوصيّة من تحت الوراثة وأفردها عنواناً مستقلّاً ؛ لما فيها من المِلاك المستقلّ وهو احترام إرادة المالك بِالنسبة إلى‏ مايملكه في حياته . وقد كانت الوصيّة بين الاُمم المتقدّمة من طرق الاحتيال لدفع الموصي مالَه أو بعض ماله إلى‏ غير من تحكم السنّة الجارية بإرثه كالأب ورئيس البيت ؛ ولذلك كانوا لايزالون يضعون من القوانين ما يحدّها ويسدّ بنحوٍ هذا الطريق المؤدّي إلى‏ إبطال حكم الإرث ، ولا يزال يجري الأمر في تحديدها هذا المجرى حتَّى اليوم .
وقد حدّها الإسلام بنفوذها إلى‏ ثلث المال، فهي غير نافذة في الزائد عليه . وقد تبعته في ذلك بعض القوانين الحديثة كقانون فرنسا ، غير أنّ النظرين مختلفان ، ولذلك كان الإسلام يحثّ عليها والقوانين تردع عنها أو هي ساكتة .
والذي يفيده التدبّر في آيات الوصيّة والصدقات والزكاة والخمس ومطلق الإنفاق : أنّ في هذه التشريعات تسهيل طريق أن يوضع ما يقرب من نصف رَقَبة الأموال والثلثان من منافعها للخيرات والمبرّات

1.البقرة : ۲۱۶ .

2.النساء : ۱۹ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
332

وبِالجملة : فالقوانين الحديثة الدائرة بين الملل الغربيّة وإن اختلفت في بعض الخصوصيّات ، غير أ نّها كالمُطبِقة على‏ تساوي الرجال والنساء في سهم الإرث ، فالبنات والبنون سواء ، والاُمّهات والآباء سواء في السهام ... وهكذا .
وقد رتّبت الطبقات في قانون فرنسا على‏ هذا النحو : (1) البنون والبنات (2) الآباء والاُمّهات والإخوة والأخوات (3) الأجداد والجدّات (4) الأعمام والعمّات والأخوال والخالات . وقد أخرجوا علقة الزوجيّة من هذه الطبقات ، وبنَوها على‏ أساس المحبّة والعلقة القلبيّة . ولايهمّنا التعرّض لتفاصيل ذلك وتفاصيل الحال في سائر الطبقات ، من أرادها فليرجع إلى‏ محلّها .
والذي يهمّنا هو التأمّل في نتيجة هذه السنّة الجارية ، وهي اشتراك المرأة مع الرجل في ثروة الدنيا الموجودة بحسب النظر العامّ الذي تقدّم ، غير أ نّهم جعلوا الزوجة تحت قيمومة الزوج لا حقّ لها في تصرّف ماليّ في شي‏ء من أموالها الموروثة إلّا بإذن زوجها، وعاد بذلك المال منصّفاً بين الرجل والمرأة ملكاً ، وتحت ولاية الرجل تدبيراً وإدارةً ! وهناك جمعيّات منتهضة يبذلون مساعيهم لإعطاء النساء الاستقلال وإخراجهنّ من تحت قيمومة الرجال في أموالهنّ ، ولو وفّقوا لما يريدون كانت الرجال والنساء متساويَين من حيث المِلك ومن حيث ولاية التدبير والتصرّف .

7 - مقايسة هذه السنن بعضها إلى‏ بعض :

ونحن بعد ما قدّمنا خلاصة السنن الجارية بين الاُمم الماضية وقرونها الخالية إلَى الباحث الناقد ، نُحيل إليه قياس بعضها إلَى البعض والقضاء على‏ كلٍّ منها بِالتمام والنقص ونفعه للمجتمع الإنسانيّ وضرره من حيث وقوعه في صراط السعادة ، ثمّ قياس

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226772
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي