355
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

يبيّنه المثقال من حال المتاع الموزون به ثقلاً وخفّةً ، كما أنّ واحد الطول - وهو الذراع أو المتر مثلاً - ميزان يوزن به الأطوال فإن انطبق الطول علَى الواحد المقياس فهو وإلّا ترك .
ففي الأعمال واحد مقياس توزن به ، فللصلاة مثلاً ميزان توزن به ، وهي الصلاة التامّة التي هي حقّ الصلاة ، وللزكاة والإنفاق نظير ذلك ، وللكلام والقول حقّ القول الذي لا يشتمل على‏ باطل ... وهكذا ، كما يشير إليه قوله تعالى :(يا أيُّها الّذِينَ آمَنوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) .۱
فالأقرب بِالنظر إلى‏ هذا البيان أن يكون المراد بقوله : (والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ) أنّ الوزن الذي يوزن به الأعمال يومئذٍ إنّما هو الحقّ ؛ فبقدر اشتمال العمل علَى الحقّ يكون اعتباره وقيمته ، والحسنات مشتملة علَى الحقّ فلها ثقل ، كما أنّ السيّئات ليست إلّا باطلة فلا ثقل لها ، فاللَّه سبحانه يزن الأعمال يومئذٍ بِالحقّ ؛ فما اشتمل عليه العمل من الحقّ فهو وزنه وثقله .۲

الحديث :

۲۱۶۸۱.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله- في وَصيَّتِهِ لابنِ مَسعودٍ -: يا بنَ مَسعودٍ ، اِحذَرْ يَوماً تُنشَرُ فيهِ الصَّحائفُ وتَظهَرُ فيهِ الفَضائحُ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى‏ يقولُ : (ونَضَعُ المَوازينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ) .۳

۲۱۶۸۲.عنه صلى اللَّه عليه وآله- في قَولِ اللَّهِ لآدمَ يومَ القِيامَةِ -: قُمْ عِندَ المِيزانِ فانظُرْ ما يُرفَعُ إلَيكَ مِن أعمالِهِم ، فمَن رَجَحَ مِنهُم خَيرُهُ على‏ شَرِّهِ مِثقالَ ذَرَّةٍ فلَهُ الجَنّةُ .۴

۲۱۶۸۳.عنه صلى اللَّه عليه وآله : يُجاءُ بِالعَبدِ يَومَ القِيامَةِ فتُوضَعُ حَسَناتُهُ في كِفَّةٍ وسَيّئاتُهُ في كِفَّةٍ فتَرجَحُ السَّيّئاتُ ، فتَجي‏ءُ بِطاقَةٌ فتَقَعُ

1.آل عمران : ۱۰۲ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۸/۱۰ ، انظر تمام كلامه رضوان اللَّه تعالى‏ عليه.

3.بحار الأنوار : ۷۷/۱۰۹/۱ .

4.كنز العمّال : ۳۹۷۶۸ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
354

فيها الثقل الإضافيّ وترتّب القضاء الفصل عليه ؛ بمعنى‏ أنّ ظاهرها أنّ الحسنات توجب ثقل الميزان والسيّئات خفّة الميزان ، لا أن توزن الحسنات فيؤخذ ما لها من الثقل ثمّ السيّئات ويؤخذ ما لها من الثقل ثمّ يقايس الثقلان فأيّهما كان أكثر كان القضاء له ، فإن كان الثقل للحسنة كان القضاء بِالجنّة وإن كان للسيّئة كان القضاء بِالنار ، ولازم ذلك صحّة فرض أن يتعادل الثقلان كما في الموازين الدائرة بيننا من ذي الكفّتين والقبّان وغيرهما .
لا ، بل ظاهر الآيات أنّ الحسنة تظهر ثقلاً في الميزان والسيّئة خفّة فيه ، كما هو ظاهر قوله : (فمَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ فاُولئكَ هُمُ المُفْلِحونَ * ومَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فاُولئكَ الّذِينَ خَسِروا أنفُسَهُمْ بِما كانُوا بآياتِنا يَظْلِمونَ) ، ونظيره قوله تعالى‏ : (فمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فأُولئكَ هُمُ المُفْلِحونَ * ومَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فاُولئكَ الّذِينَ خَسِروا أنفُسَهُم في جَهَنَّمَ خالِدونَ)۱ ، وقوله تعالى‏ : (فأمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ * فَهُوَ في عِيشَةٍ راضِيَةٍ * وأمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ * فأُمُّهُ هاوِيَةٌ * وما أدْراكَ ماهِيَهْ * نارٌ حامِيَةٌ)۲ ، فالآيات - كما ترى‏ - تثبت الثقل في جانب الحسنات دائماً والخفّة في جانب السيّئات دائماً .
ومن هناك يتأيّد في النظر أنّ هناك أمراً آخر تقايس به الأعمال والثقل له ، فما كان منها حسنة انطبق عليه ووزن به وهو ثقل الميزان ، وما كان منها سيّئة لم ينطبق عليه ولم يوزن به وهو خفّة الميزان ، كما نشاهده فيما عندنا من الموازين ؛ فإنّ فيها مقياساً - وهو الواحد من الثقل كالمثقال - يوضع في إحدى‏ الكفّتين ، ثمّ يوضع المتاع في الكفّة الاُخرى‏ ، فإن عادل المثقال وزناً بوجه على‏ ما يدلّ عليه الميزان أخذ به وإلّا فهو الترك لا محالة . والمثقال في الحقيقة هو الميزان الذي يوزن به ، وأمّا القبّان وذو الكفّتين ونظائرهما فهي مقدّمة لما

1.المؤمنون : ۱۰۲ ، ۱۰۳ .

2.القارعة : ۶ - ۱۱ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 183226
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي