387
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

وكَتَبَ على‏ نَفسِهِ الرَّحمَةَ فسَبَقَت قَبلَ الغَضَبِ فتَمَّتْ صِدقاً وعَدلاً ، فلَيس يَبتَدئُ العِبادَ بِالغَضَبِ قَبلَ أن يُغضِبوهُ ؛ وذلكَ مِن عِلمِ اليَقينِ وعِلمِ التَّقوى‏ . وكُلُّ اُمَّةٍ قَد رَفَعَ اللَّهُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حِينَ نَبَذُوهُ ووَلّاهُم عَدُوَّهُم حِينَ تَوَلَّوهُ ، وكانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أن أقامُوا حُروفَهُ وحَرَّفوا حُدودَهُ فهُم يَروونَهُ ولا يَرعَونَهُ ، والجُهّالُ يُعجِبُهُم حِفظُهُم لِلرِّوايَةِ والعُلَماءُ يَحزُنُهُم تَركُهُم للرِّعايَةِ . وكانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أن وَلَّوهُ الّذينَ لا يَعلَمونَ‏۱ ، فأورَدُوهُمُ الهَوى‏ وأصدَرُوهُم إلَى الرَّدى‏ وغَيَّروا عُرَى الدِّينِ ، ثُمَّ وَرَّثوهُ في السَّفَهِ والصِّبا۲، فالاُمَّةُ يَصدُرونَ عَن أمرِ النّاسِ بَعدَ أمرِ اللَّهِ تباركَ وتعالى‏ وعلَيهِ يَرِدونَ ، فبِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النّاسِ بَعدَ وَلايَةِ اللَّهِ‏۳، وثَوابُ النّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللَّهِ ، ورضا النّاسِ بَعدَ رِضا اللَّهِ ، فأصبَحَتِ الاُمّةُ كذلكَ وفيهِمُ المُجتَهِدونَ في العِبادَةِ على‏ تِلكَ الضّلالَةِ ، مُعجَبونَ مَفتونونَ ، فعِبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم ولِمَنِ اقتَدى‏ بهِم .
وقَد كانَ في الرُّسلِ ذِكْرى‏ للعابِدينَ ؛ إنّ نَبيّاً مِن الأنبياءِ كانَ يَستَكمِلُ الطّاعَةَ۴ ، ثُمّ يَعصي اللَّهَ تباركَ وتعالى‏ في البابِ الواحِدِ فخَرَجَ بهِ مِن الجَنَّةِ۵ ويُنبَذُ بهِ في بَطنِ الحُوتِ ، ثُمّ لا يُنجيهِ إلّا الاعتِرافُ والتَّوبَةُ . فاعرِفْ أشباهَ الأحبارِ والرُّهبانِ الّذينَ سارُوا بكِتمانِ الكِتابِ وتَحريفِهِ فما رَبِحَت تِجارَتُهُم وما كانُوا مُهتَدينَ ، ثُمّ اعرِفْ أشباهَهُم

1.أي جعلوا وليّ الكتاب والقيّم عليه والحاكم به الذين لا يعلمونه، وجعلوهم رؤساء على‏ أنفسهم يتّبعونهم في الفتاوى‏ وغيرها (كما في هامش المصدر).

2.أي جعلوه ميراثاً يرثه كلّ سفيه جاهل أو صبيّ غير عاقل . وقوله : «بعد أمر اللَّه» أي صدوره أو الاطّلاع عليه أو تركه، والورود والصدور كنايتان عن الإتيان للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول (كما في هامش المصدر).

3.ولاية الناس» هو المخصوص بالذمّ (كما في هامش المصدر).

4.أشار به إلى‏ يونس عليه السلام . والمراد بعصيانه غضبه على‏ قومه وهربه منهم بغير إذن ربّه ، روي أنّه لمّا وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره اللَّه تعالى‏ . واعلم أنّ العصيان هنا ترك الأفضل والأولى‏ ؛ وذلك لأنّه لم يكن هناك أمر من اللَّه تعالى حتّى‏ عصاه بترك الإتيان به ، أو نهي منه حتّى‏ خالفه بارتكابه، فإطلاق لفظ العصيان مجاز عن ترك الأولى‏ والأفضل ، وذلك بالنسبة إلى‏ درجات كمالهم بمنزلة العصيان (كما في هامش المصدر) .

5.إطلاق الجنّة على الدنيا لعلّ بالإضافة إلى‏ بطن الحوت . كما قاله الفيض رحمه اللَّه (كما في هامش المصدر).


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
386

أتَصَدَّقُ مِمّا وَصَلَني بهِ إخواني وإن كانَ قَليلاً ؟ قالَ : تَصَدَّقْ بما رَزَقَكَ اللَّهُ ولَو آثَرتَ على‏ نَفسِكَ .۱

(انظر) الموعظة : باب 4068 .
بحار الأنوار : 78 / 296 باب 25 .

4023 - وَصايا الإمامِ الجَوادِ عليه السلام‏

۲۱۷۷۹.تُحَفِ العقولِ : قالَ لَهُ رجُلٌ أوصِني ، قالَ عليه السلام : وتَقبَلُ ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : تَوسَّدِ الصَّبرَ ، واعتَنِقِ الفَقرَ ، وارفُضِ الشَّهَواتِ ، وخالِفِ الهَوى‏ ، واعلَمْ أنّكَ لَن تَخلُوَ مِن عَينِ اللَّهِ ، فانظُرْ كَيفَ تَكونُ .۲

۲۱۷۸۰.الإمام الجواد عليه السلام- فيما كَتَبَ إلى‏ سَعدِ الخَيرِ -: بسمِ اللَّهِ الرّحمنِ الرّحيمِ ، أمّا بَعدُ ، فإنّي اُوصِيكَ بِتَقوَى اللَّهِ ؛ فإنَّ فيها السَّلامَةَ مِن التَّلَفِ والغَنيمَةَ في المُنقَلَبِ . إنّ اللَّهَ عَزَّوجلَّ يَقِي بِالتَّقوى‏ عَنِ العَبدِ ما عَزُبَ عَنهُ عَقلُهُ‏۳ ، ويُجَلّي بِالتَّقوى‏ عَنهُ عَماهُ وجَهلَهُ ، وبِالتَّقوى‏ نَجا نُوحٌ ومَن مَعهُ في السَّفينَةِ وصالِحٌ ومَن مَعهُ مِن الصّاعِقَةِ ، وبِالتَّقوى‏ فازَ الصّابِرونَ ونَجَت تِلكَ العُصَبُ‏۴مِن المَهالِكِ. ولَهُم إخوانٌ على‏ تِلكَ الطّريقَةِ يَلتَمِسون تِلكَ الفَضيلَةَ ، نَبَذوا طُغيانَهُم مِن الإيرادِ بِالشَّهَواتِ لِما بَلَغَهُم في الكِتابِ مِن المَثُلاتِ ، حَمِدوا رَبَّهُم على‏ ما رَزَقَهُم وهُو أهلُ الحَمدِ ، وذَمُّوا أنفُسَهُم على‏ ما فَرَّطوا وهُم أهلُ الذَّمِّ ، وعَلِموا أنّ اللَّهَ تباركَ وتعالى‏ الحَليمُ العَليمُ ، إنّما غَضَبُهُ على‏ مَن لَم يَقبَلْ مِنهُ رِضاهُ ، وإنّما يَمنَعُ مَن لَم يَقبَلْ مِنهُ عَطاهُ ، وإنّما يُضِلُّ مَن لَم يَقبَلْ مِنهُ هُداهُ .
ثُمّ أمكَنَ أهلَ السَّيّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ ، دَعا عِبادَهُ في الكِتابِ إلى‏ ذلكَ بصَوتٍ رَفيعٍ لَم يَنقَطِعْ ولَم يَمنَعْ دُعاءَ عِبادِهِ ، فلَعَنَ اللَّهُ الّذينَ يَكتُمونَ ما أنزَلَ اللَّهُ .

1.الكافي : ۴/۱۸/۲ .

2.تحف العقول : ۴۵۵ .

3.عزب : غاب (لسان العرب : ۱/۵۹۶) ، وفي بعض النسخ «نفي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله» . (كما في هامش المصدر).

4.العُصْبَة : الجماعة من الرجال نحو العشرة ، وقيل : من العشرة إلى‏ الأربعين ، والجمعُ عُصَب (مجمع البحرين : ۲/۱۲۲۱ و۱۲۲۲) .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226467
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي