389
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

البَيضاءِ۱ لَيلُها مِن نَهارِها، لَم يُظهِرْ فيهِم بِدعَةً ولَم يُبَدِّلْ فيهِم سُنَّةً ، لا خِلافَ عِندَهُم ولا اختِلافَ ، فلَمّا غَشِيَ النّاسَ ظُلمَةُ خَطاياهُم صارُوا إمامَينِ : داعٍ إلَى اللَّهِ تباركَ وتعالى‏ وداعٍ إلَى النّارِ ، فعِندَ ذلكَ نَطقَ الشَّيطانُ فعَلا صَوتُهُ على‏ لِسانِ أوليائهِ ، وكَثُرَ خَيلُهُ ورَجِلُهُ‏۲، وشارَكَ في المالِ والوَلَدِ مَن أشرَكَهُ فعَمِلَ بِالبِدعَةِ وتَركَ الكِتابَ والسُّنَّةَ ، ونَطقَ أولياءُ اللَّهِ بِالحُجَّةِ وأخَذوا بِالكِتابِ والحِكمَةِ ، فتَفَرَّقَ مِن ذلكَ اليَومِ أهلُ الحَقِّ وأهلُ الباطِلِ ، وتَخاذَلَ‏۳ وتَهادَنَ أهلُ الهُدى‏ ، وتَعاوَنَ أهلُ الضَّلالَةِ؛ حَتّى‏ كانَتِ الجَماعَةُ مَع فُلانٍ وأشباهِهِ ، فاعرِفْ هذا الصِّنفَ .
وصِنفٌ آخَرُ فأبصِرْهُم رَأيَ العَينِ نُجَباءَ۴والزَمْهُم حتّى‏ تَرِدَ أهلَكَ ؛ فإنَّ الخاسِرينَ الّذينَ خَسِروا أنفُسَهُم وأهلِيهِم يَومَ القِيامَةِ ، ألا ذلكَ هُو الخُسرانُ المُبينُ .
«قالَ الشيخُ الكُلينيُّ قدّس سرّه: إلى‏ هاهُنا روايةُ الحسينِ ، وفي روايةِ محمّدِ بن يحيى‏ زِيادَةُ» :
لَهُم عِلمٌ بِالطَّريقِ ، فإن كانَ دُونَهُم بَلاءٌ فلا تَنظُرْ إلَيهِم ، فإن كانَ دُونَهُم‏۵ عَسفٌ مِن أهلِ العَسفِ وخَسفٌ‏۶، ودُونَهُم بَلايا تَنقَضي ، ثُمَّ تَصيرُ إلى‏ رَخاءٍ . ثُمّ اعلَمْ أنّ إخوانَ الثِّقَةِ ذَخائرُ بَعضُهُم لبَعضٍ ، ولَولا أن تَذهَبَ بِكَ الظُّنونُ عَنّي‏۷ لَجَلَّيتُ لَكَ عَن أشياءَ مِن الحَقِّ غَطَّيتُها ، ولَنَشَرتُ لَكَ أشياءَ

1.وصف الشريعة بكونها بيضاء تنبيهاً على كرمها وفضلها (مجمع البحرين : ۱/۲۰۸) .

2.الخيل : الفرسان ، والرَّجِل : جمع راجل ؛ خلاف الفارس (الصحاح : ۴/۱۶۹۱ و ص ۱۷۰۵) ؛ أي أعوانه القويّة والضعيفة . (كما في هامش المصدر).

3.الخَذل : ترك الإعانة والنصرة (لسان العرب : ۱۱/۲۰۲) . وفي بعض النسخ «تخادن» من الخِدن وهو الصديق . وتهادن من المهادنة بمعنَى المصالحة ، وفي بعض النسخ «تهاون» أي عن نصرة الحقّ ، وهذا أنسب بالتخاذل ، كما أنّ التهادن أنسب بالتخادن . (كما في هامش المصدر).

4.بالنون والجيم والباء الموحدة ، وفي بعض النسخ «تحيا» من الحياة . (كما في هامش المصدر).

5.في بعض النسخ «إليه فإن دونهم» وهو الصواب ؛ أي فلا ينظرون‏إلَى البلاء لأنّه ينقضي ولا يبقى‏. (كما في هامش المصدر).

6.العسف : الجور (النهاية : ۳/۲۳۶ وج ۲/۳۱) . والخسف : النقصان والهوان . وقوله : «ينقضي» جزاء الشرط. (كما في هامش المصدر).

7.أي يصير ظنّك السيّ‏ء بي سبباً لانحرافك عنّي وعدم إصغائك إليَّ بعد ذلك . (كما في هامش المصدر).


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
388

مِن هذهِ الاُمَّةِ الّذينَ أقامُوا حُروفَ الكِتابِ وحَرَّفوا حُدودَهُ‏۱ فهُم مَعَ السّادَةِ والكَبَرَةِ۲، فإذا تَفَرَّقَت قادَةُ الأهواءِ كانُوا مَعَ أكثَرِهِم دُنيا وذلكَ مَبلَغُهُم مِن العِلمِ .۳لا يَزالونَ كذلكَ في طَبَعٍ وطَمَعٍ ، لا يَزالُ يُسمَعُ صَوتُ إبليسَ علَى ألسِنَتِهِم بِباطِلٍ كَثيرٍ ، يَصبِرُ مِنهُم العُلَماءُ علَى الأذى‏ والتَّعنيفِ ، ويَعِيبونَ علَى العُلَماءِ بِالتَّكليفِ .۴ والعُلَماءُ في أنفُسِهِم خانَةٌ إن كَتَموا النَّصيحَةَ ، إن رَأوا تائهاً ضالّاً لا يَهدونَهُ أو مَيِّتاً لا يُحيُونَهُ ، فبِئسَ ما يَصنَعونَ ! لأنَّ اللَّهَ تباركَ وتعالى‏ أخَذَ علَيهِمُ المِيثاقَ في الكِتابِ أن يَأمُروا بِالمَعروفِ وبما اُمِروا بهِ ، وأن يَنهَوا عَمّا نُهُوا عَنهُ ، وأن يَتَعاوَنوا علَى البِرِّ والتَّقوى‏ ولا يَتَعاوَنوا علَى الإثمِ والعُدوانِ ، فالعُلَماءُ مِن الجُهّالِ في جَهدٍ وجِهادٍ ؛ إن وَعَظَت قالوا : طَغَت ، وإنْ عَلِموا الحَقَ‏۵ الّذي تَرَكوا قالوا : خالَفَت ، وإنِ اعْتَزَلوهُم قالوا : فارَقَت ، وإن قالوا : هاتُوا بُرهانَكُم على‏ ما تُحَدِّثونَ قالوا : نافَقَت ، وإن أطاعُوهُم قالوا : عَصَيتِ‏۶ اللَّهَ عَزَّوجلَّ ! فهَلَكَ جُهّالٌ فيما لا يَعلَمونَ ، اُمِّيُّونَ فيما يَتلُونَ ، يُصَدِّقونَ بِالكِتابِ عِندَ التَّعريفِ‏۷ ويُكَذِّبونَ بهِ عِندَ التَّحريفِ ، فلا يُنكَرونَ . اُولئكَ أشباهُ الأحبارِ والرُّهبانِ : قادَةٌ في الهَوى‏ ، سادَةٌ في الرَّدى‏ .
وآخَرُونَ مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَةِ والهُدى‏ ، لا يَعرِفونَ إحدى‏ الطّائفَتَينِ مِن الاُخرى‏ ، يَقولونَ ما كانَ النّاسُ يَعرِفونَ هذا ولا يَدرُونَ ! ما هُو ، وصَدَقوا ! تَرَكَهُم رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله علَى

1.إنّما شبّه هؤلاء العباد وعلماء العوامّ المفتونين بالحطام بالأحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالآخرة ، بكتمانهم العلم وتحريفهم الكلم عن مواضعها وأكلهم أموال الناس بالباطل وصدّهم عن سبيل اللَّه ، كما أنّهم كانوا كذلك على‏ ما وصفهم اللَّه في القرآن في عدّة مواضع . والمراد بالسادة والكثرة: السلاطين والحكّام وأعوانهم الظلمة . (كما في هامش المصدر).

2.في بعض النسخ «والكثرة» . (كما في هامش المصدر).

3.إشارة إلَى الآية ۳۱ من سورة النجم . والطَّبَع - بالتحريك - : الرَّين ، و بالسكون - : الخَتم (لسان العرب : ۸/۲۳۲ و ۲۳۳) .

4.منهم» أي من أشباه الأحبار والرهبان، «العلماء» يعني العلماء باللَّه الربّانيّين ، «بالتكليف» يعني تكليفهم بالحقّ . (كما في هامش المصدر).

5.في بعض النسخ «عملوا الحقّ» . (كما في هامش المصدر).

6.كذا في المصدر ، والظاهر أنّ الصواب «عَصَت» .

7.في بعض النسخ «عند التحريف» . (كما في هامش المصدر).

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226869
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي