4086 - الوَفاءُ
الكتاب :
(يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) .۱
(وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) .۲
(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عَاهَدُوا) .۳
التّفسير :
يدلّ الكتاب كما ترى من ظاهر قوله تعالى : (أوْفُوا بالعُقُودِ) علَى الأمر بِالوفاء بِالعقود ، وهو بظاهره عامّ يشمل كلّ ما يصدق عليه العقد عرفاً ممّا يلائم الوفاء . والعقد هو كلّ فعل أو قول يمثّل معنَى العقد اللغويّ ، وهو نوع ربط شيء بشيء آخر بحيث يلزمه ولا ينفكّ عنه ، كعقد البيع الذي هو ربط المبيع بِالمشتري ملكاً بحيث كان له أن يتصرّف فيه ما شاء ، وليس للبائع بعد العقد ملك ولا تصرّف ، وكعقد النكاح الذي يربط المرأة بِالرجل بحيث له أن يتمتّع منها تمتّع النكاح ، وليس للمرأة أن تمتّع غيره من نفسها ، وكالعهد الذي يمكّن فيه العاهد المعهود له من نفسه فيما عهده وليس له أن ينقضه .
وقد أكّد القرآن في الوفاء بِالعقد والعهد بجميع معانيه وفي جميع معانيه وفي جميع مصاديقه ، وشدّد فيه كلّ التشديد ، وذمّ الناقضين للمواثيق ذمّاً بِالغاً ، وأوعدهم إيعاداً عنيفاً ، ومدح الموفين بعهدهم إذا عاهدوا في آيات كثيرة لا حاجة إلى نقلها .
وقد أرسلت الآيات القول فيه إرسالاً يدلّ على أنّ ذلك ممّا يناله الناس بعقولهم الفطريّة ، وهو كذلك ؛ وليس ذلك إلّا لأنّ العهد والوفاء به ممّا لا غنى للإنسان في حياته عنه أبداً ، والفرد والمجتمع في ذلك سيّان ،