مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) .۱
(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .۲
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للَّهِِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .۳
(انظر) البقرة : 2 - 5 ، آل عمران : 133 - 136 .
الحديث :
۲۲۴۲۱.نهج البلاغة : رُويَ أنّ صاحِباً لأميرِ المؤمنينَ عليه السلام يقالُ لَهُ هَمّامٌ كانَ رجُلاً عابِداً ، فقالَ لَهُ : يا أميرَ المؤمِنينَ ، صِفْ لِيَ المُتَّقينَ ، حتّى كأنّي أنظُرُ إلَيهِم ، فتَثاقَلَ عليه السلام عن جَوابِهِ ، ثُمّ قالَ : يا هَمّامُ ، اتَّقِ اللَّهَ وأحسِنْ ! فإنَّ اللَّهَ مَع الّذينَ اتَّقَوا والّذينَ هُم مُحسِنونَ .
فلَم يَقنَعْ هَمّامٌ بهذا القَولِ حتّى عَزمَ علَيهِ ، فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى علَيهِ وصلّى علَى النَّبيِّ صلى اللَّه عليه وآله ثُمّ قالَ عليه السلام : أمّا بَعدُ، فإنّ اللَّهَ سبحانَهُ وتعالى خَلَقَ الخَلقَ حِينَ خَلَقَهُم غَنِيّاً عَن طاعَتِهِم ، آمِناً مِن مَعصِيَتِهِم ؛ لأنّهُ لا تَضُرُّهُ مَعصِيَةُ مَن عَصاهُ ، ولا تَنفَعُهُ طاعَةُ مَن أطاعَهُ ، فقَسَمَ بَينَهُم مَعايِشَهُم ، ووَضَعَهُم مِن الدُّنيا مَواضِعَهُم .
فالمُتَّقونَ فيها هُم أهلُ الفَضائلِ : مَنطِقُهُمُ الصَّوابُ ، ومَلبَسُهُمُ الاقتِصادُ ، ومَشيُهُمُ التَّواضُعُ ، غَضُّوا أبصارَهُم عَمّا حَرَّمَ اللَّهُ علَيهِم ، ووَقَفوا أسماعَهُم علَى العِلمِ النّافِعِ لَهُم ، نُزِّلَت أنفُسُهُم مِنهُم في البَلاءِ كالّتي نُزِّلَت في الرَّخاءِ ، ولَولا الأجَلُ الّذي كَتَبَ اللَّهُ علَيهم لَم تَستَقِرَّ أرواحُهُم في أجسادِهِم طَرفَةَ عَينٍ ؛ شَوقاً إلَى الثَّوابِ ، وخَوفاً مِن العِقابِ .
عَظُمَ الخالِقُ في أنفُسِهِم فصَغُرَ ما دُونَهُ في أعيُنِهِم ، فَهُم والجَنَّةُ كَمَن قَد رَآها فَهُم فِيها مُنَعَّمونَ ، وهُم والنّارُ كَمَن قَد رآها فَهُم فِيها مُعَذَّبونَ . قُلوبُهُم مَحزونَةٌ ، وشُرورُهُم مَأمونَةٌ ، وأجسادُهُم نَحيفَةٌ ، وحاجاتُهُم خَفيفَةٌ ، وأنفُسُهُم عَفيفَةٌ ، صَبَروا أيّاماً قَصيرَةً أعقَبَتهُم راحَةً طَويلَةً ، تِجارَةٌ مُربِحَةٌ يَسَّرَها لَهُم رَبُّهم . أرادَتهُمُ الدُّنيا فلَم يُريدوها ، وأسَرَتهُم فَفَدَوا أنفُسَهُم مِنها .