529
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

فإذا أراد اللَّه سبحانه أن يصرف عبداً عن شرّ مثلاً أرسل إليه ملكاً ينازعه في مقتضى‏ طبعه ويغيّر مجرى‏ إرادته مثلاً عن الشرّ إلَى الخير ، أو أراد أن يضلّ عبداً لاستحقاقه ذلك سلّط عليه إبليس فحوّله من الخير إلَى الشرّ، وإن كان ذلك لا بمقدار يوجب الإجبار والاضطرار .
وهذا مدفوع بما نشاهده من أنفسنا في أعمال الخير والشرّ مشاهدة عيان أنّه ليس هناك سبب آخر يغايرنا وينازعنا فيغلب علينا غير أنفسنا التي تعمل أعمالها عن شعور بها وإرادة مترتّبة عليه قائمين بها ، فالذي يثبته السمع والعقل وراء نفوسنا من الأسباب كالملك والشيطان سبب طوليّ لاعرضيّ ، وهو ظاهر .
مضافاً إلى‏ أنّ المعارف القرآنيّة من التوحيد وما يرجع إليه يدفع هذا القول من أصله ، وقد تقدّم شطر وافر من ذلك في تضاعيف الأبحاث السالفة .۱

4111 - جِماعُ التَّقوى‏

الكتاب :

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏ وَيَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .۲

الحديث :

۲۲۴۵۹.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : جِماعُ التَّقوى‏ في قَولِهِ تَعالى‏ : (إنّ اللَّهَ يأمُرُ بالعَدْلِ والإحْسانِ) .۳

22460.مجمع البيانِ : قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ : هذهِ الآيَةُ أجمَعُ آيَةٍ في كِتابِ اللّهِ لِلخَيرِ والشَّرِّ ... وجاءَتِ الرّوايةُ أنّ عُثمانَ بنَ مَظعونٍ قالَ : كُنتُ أسلَمتُ استِحياءً مِن رسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِكَثرَةِ ماكانَ يَعرِضُ علَيَّ الإسلامَ ، ولَمّا يَقَرَّ الإسلامُ في قَلبي ، فكُنتُ ذاتَ يَومٍ عِندَهُ حالَ تأمُّلِهِ فشَخَصَ بَصَرَهُ نَحوَ السّماءِ كأنّهُ يَستَفهِمُ شَيئاً ، فلَمّا سُرِّيَ عَنهُ سَألتُهُ عَن حالِهِ فقالَ : نَعَم ، بَينا أنا اُحَدِّثُكَ إذ رأيتُ جَبرئيلَ في الهَواءِ فأتاني بهذهِ الآيَةِ (إنّ اللَّهَ يَأمُرُ بالعَدْلِ

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۱/۱۵۵ - ۱۶۴ .

2.النحل : ۹۰ .

3.روضة الواعظين : ۴۷۹ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
528

لَحَبِطَ عَنهُم ما كانُوا يَعمَلونَ) .1 تفيد الآية أ نّهم في إمكانهم أن يشركوا باللَّه وإن كان الاجتباء والهدى‏ الإلهيّ مانعاً من ذلك ، وقوله : (يا أ يُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما اُنزِلَ إلَيكَ مِن رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)2 إلى‏ غير ذلك من الآيات .
فالإنسان المعصوم إنّما ينصرف عن المعصية بنفسه وعن اختياره وإرادته ، ونسبة الصرف إلى‏ عصمته تعالى‏ كنسبة انصراف غير المعصوم عن المعصية إلى‏ توفيقه تعالى .
ولا ينافي ذلك أيضاً ما يشير إليه كلامه تعالى‏ ويصرّح به الأخبار أنّ ذلك من الأنبياء والأئمّة بتسديد من روح القدس ؛ فإنّ النسبة إلى‏ روح القدس كنسبة تسديد المؤمن إلى‏ روح الإيمان ، ونسبة الضلال والغواية إلَى الشيطان وتسويله ؛ فإنّ شيئاً من ذلك لا يخرج الفعل عن كونه فعلاً صادراً عن فاعله مستنداً إلَى اختياره وإرادته ، فافهم ذلك .
نعم هناك قوم زعموا أنّ اللَّه سبحانه إنّما يصرف الإنسان عن المعصية لامن طريق اختياره وإرادته ، بل من طريق منازعة الأسباب ومغالبتها بخلق إرادة أو إرسال ملك يقاوم إرادة الإنسان فيمنعها عن التأثير أو يغيّر مجراها ويحرّفها إلى‏ غير ما من طبع الإنسان أن يقصده ، كما يمنع الإنسان القويّ الضعيف عمّا يريده من الفعل بحسب طبعه .
وبعض هؤلاء وإن كانوا من المجبّرة لكنّ الأصل المشترك الذي يبتني عليه نظرهم هذا وأشباهه أنّهم يرون أنّ حاجة الأشياء إلَى البارئ الحقّ سبحانه إنّما هي في حدوثها ، وأمّا في بقائها بعدما وجدت فلا حاجة لها إليه ، فهو سبحانه سبب في عرض الأسباب ، إلّا أ نّه لمّا كان أقدر وأقوى‏ من كلّ شي‏ء كان له أن يتصرّف في الأشياء حال البقاء أيّ تصرّف شاء ، من منع أو إطلاق وإحياء أو إماتة ومعافاة أو تمريض وتوسعة أو تقتير إلى‏ غير ذلك بِالقهر .

1.الأنعام : ۸۷ ، ۸۸ .

2.المائدة : ۶۷ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 188503
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي