583
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

والبيان الوافي ما لا يوجد في الجملة والجملَتين من الكلام البتّة .
وههنا نكتة اُخرى‏ يجب علَى الباحث الاعتناء بأمرها ، وهو أنّ عامّة الآيات - المتضمّنة لإقامة العبادات والقيام بأمر الجهاد وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك - توجّه خطاباتها إلى‏ عامّة المؤمنين دون النبيّ صلى اللَّه عليه وآله خاصّة ، كقوله تعالى‏ : (وأقِيموا الصَّلاةَ)۱ ، وقوله : (وأنْفِقوا في سَبيلِ اللَّهِ)۲ ، وقوله : (كُتِبَ علَيْكُمُ الصِّيامُ)۳ وقوله : (ولْتَكُن مِنْكُم اُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ويَأمُرونَ بالمَعْروفِ ويَنْهَونَ عَنِ المُنْكَرِ)۴ وقوله : (وجاهِدوا فِي سَبيلِهِ)۵ وقوله : (وجاهِدوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ)۶ وقوله : (الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما)۷ ، وقوله : (والسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما)۸ ، وقوله : (ولَكُمْ فِي القِصاصِ حَياةٌ)۹ ، وقوله : (وأقِيمُوا الشَّهادَةَ للَّهِ‏ِ)۱۰ ، وقوله : (واعْتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعاً ولا تَفَرَّقوا)۱۱ ، وقوله : (أنْ أقِيموا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فيهِ)۱۲ ، وقوله : (وما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفإنْ ماتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أعْقابِكُمْ وَمن يَنقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشّاكِرينَ)۱۳ إلى‏ غير ذلك من الآيات الكثيرة.
ويستفاد من الجميع أنّ الدِّين صبغة اجتماعيّة حمله اللَّه علَى الناس ولا يرضى‏ لعباده الكفر ، ولم يُرِد إقامته إلّا منهم بأجمعهم ؛ فالمجتمع - المتكوّن منهم - أمره إليهم من غير مزيّة في ذلك لبعضهم ولا اختصاص منه ببعضهم ، والنبيّ ومن دونه في ذلك سواء ، قال تعالى‏ : (أنّي لا اُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُم مِن ذَكَرٍ أو اُنْثى‏ بَعْضُكُم مِنْ بَعْضٍ)۱۴ ، فإطلاق الآية تدلّ على‏ أنّ

1.النساء : ۷۷ .

2.البقرة : ۱۹۵ .

3.البقرة : ۱۸۳ .

4.آل عمران : ۱۰۴ .

5.المائدة : ۳۵ .

6.الحجّ : ۷۸ .

7.النور : ۲ .

8.المائدة : ۳۸ .

9.البقرة : ۱۷۹ .

10.الطلاق : ۲ .

11.آل عمران : ۱۰۳ .

12.الشورى‏ : ۱۳ .

13.آل عمران : ۱۴۴ .

14.آل عمران : ۱۹۵ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
582

ذاكَ الّذي يَفتَحُ اللَّهُ تعالى‏ ذكرُهُ على‏ يَدَيهِ مَشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها ، ذاكَ الَّذي يَغيبُ عَن شِيعَتِهِ وأوليائهِ غَيبَةً لا يَثبُتُ فيها علَى القَولِ بإمامَتِهِ إلّا مَنِ امتَحَنَ اللَّهُ قَلبَهُ للإيمانِ .
قالَ جابِرٌ : فقلتُ له: يا رسولَ اللَّهِ ، فَهل يَقَعُ لِشيعَتِهِ الانتِفاعُ بهِ في غَيبَتِهِ ؟ فقالَ عليه السلام : إي والّذي بَعَثَني بِالنُّبُوَّةِ ، إنَّهُم يَستَضِيؤونَ بِنورِهِ ويَنتَفِعونَ بوَلايَتِهِ في غَيبَتِهِ كانتِفاعِ النّاسِ بِالشّمسِ وإن تَجَلَّلَها سَحابٌ . يا جابِرُ ، هذا مِن مَكنونِ سَرِّ اللَّهِ ومَخزونِ عِلمِهِ فاكتُمهُ إلّا عَن أهلِهِ .۱

قال العلّامة الطباطبائيّ رضوان اللَّه تعالى‏ عليه في الفصل الثاني عشر من كلام له في المرابطة في‏المجتمع الإسلاميّ ، ما نصّه :

من الذي يتقلّد ولاية المجتمع في‏الإسلام؟ وما سيرته ؟

كان ولاية أمر المجتمع الإسلاميّ إلى‏ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ، وافتراض طاعته صلى اللَّه عليه وآله علَى الناس واتّباعه صريح القرآن الكريم ، قال تعالى‏ : (وأطِيعوا اللَّهَ وأطِيعوا الرَّسُولَ)۲ ، وقال تعالى‏ : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بما أراكَ اللَّهُ)۳ ، وقالَ تعالى‏ : (النَّبِيُّ أوْلى‏ بالمُؤمِنينَ مِنْ أنْفُسِهِم)۴ ، وقالَ تعالى‏ : (قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)۵ إلى‏ غير ذلك من الآيات الكثيرة التي يتضمّن كلّ منها بعض شؤون ولايته العامّة في المجتمع الإسلاميّ أو جميعها .
والوجه الوافي لغرض الباحث في هذا الباب أن يطالع سيرته صلى اللَّه عليه وآله ويمتلئ منه نظراً ، ثمّ يعود إلى‏ مجموع مانزلت من الآيات في الأخلاق والقوانين المشرّعة في الأحكام العباديّة والمعاملات والسياسات وسائر المرابطات والمعاشرات ؛ فإنّ هذا الدليل المتّخَذ بنحو الانتزاع من ذوق التنزيل الإلهيّ له من اللسان الكافي

1.كمال الدين : ۲۵۳/۳ .

2.التغابن : ۱۲ .

3.النساء : ۱۰۵ .

4.الأحزاب : ۶ .

5.آل عمران : ۳۱ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 226860
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي